للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن كعب الأحبار قال: «إن نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر دجلة ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء نهر سيحان» .

[التنبيه السبعون:]

قوله في السّدرة: «يغشاها جراد من ذهب» .

قال البيضاوي: «ذكر الجراد والفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر أن يسقط عليه الجراد وشبهه، وجعلها من ذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها» . وقال الحافظ: «ويجوز جعلها من الذهب حقيقة، ويخلق الله فيها الطيران، والقدرة صالحة لذلك» . انتهى.

[التنبيه الحادي والسبعون:]

قوله «فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر» ،

قال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رحمه الله: «المراد تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، أي لو كان له ذنوب لغفرت ولم يكن له ذنب البتة» . وحكى الشيخ رحمه الله في كتابه المحرّر، في الكلام على هذه الآية اثني عشر قولا، ونقل عن السبكي فساد خمسة منها وبيّن الشيخ فساد الباقي، ثم قال: «أما الأقوال المقبولة ففي الشفا للقاضي قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يقول: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: ٩] سر بذلك الكفار فانزل الله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢] وأخبر بمآل المؤمنين في الآية الأخرى بعدها، فمقصد الآية أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب وهذا الأثر رواه ابن المنذر في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، بدون قوله وأخبر بمآل المؤمنين إلى آخره، وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم نحوه.

قال القاضي: قال بعضهم: المغفرة هنا تنزيه من العيوب، وقال بعض المحققين:

المغفرة هنا كناية عن العصمة أي فعصمت فيما تقدّم من عمري وفيما تأخّر منه، وهذا القول في غاية الحسن. وقد عدّ البلغاء من أساليب البلاغة في القرآن أنه يكنّي عن التخفيفات بلفظ المغفرة والعفو والتوبة، كقوله عند نسخ قيام الليل: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ [المزمل: ٢٠] وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النّجوى فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة: ١٣] وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة: ١٨٧] .

ثم نقل عن السبكي أنه قال: «قد تأمّلت هذه الآية بذهني مع ما قبلها وما بعدها فوجدتها لا تحتمل إلا وجها واحدا وهو تشريف النبي صلى الله عليه وسلم، من غير أن يكون هناك ذنب، ولكنه أريد أن تستوعب في الآية جميع أنواع النعم من الله تعالى على عباده. وجميع النعم الأخروية شيئان: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى وقد أشار إليها بقوله:

وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف: ٦] وجميع النعم الدنيوية شيئان: دينية أشار إليها بقوله: