للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب التاسع في شجاعته، وقوته صلى الله عليه وسلم]

قال الله سبحانه وتعالى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: ٨٤] استنبط بعض السلف من الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مأمور أن لا يفرّ من المشركين إذا واجهوه، ولو كان وحده.

وروى أبو زرعة الرازي في دلائل النبوة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الناس بشدة البطش» [ (١) ] .

وروى ابن سعد عن محمد بن الحنفيّة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وقال: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ما وجدت من شيء، وقال للفرس: وجدناه بحرا، وإنه لبحر،

قال: وكان فرسه بطيئا فيه قطاف فما سبق بعد، وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه ركب فرسا قطوفا بطيئا فعاد بحرا لا يسابق، ولا يجارى [ (٢) ] .

وروى الإمام أحمد، وابن ماجة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه [ (٣) ] .

وروى عنه أيضاً قال: لما كنا يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا يومئذ، وما كان أحد أقرب من المشركين منه.

وروى ابن أبي شيبة عن البراء سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفر، كانت هوازن ناسا رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، وأكببنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها،

وهو يقول: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»

انتهى، وهذا ما يكون في غاية من الشجاعة التامة لأنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغي، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا مع بغلة ليست للجري، ولا تصلح لكر ولا فر ولا هرب، وهو مع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوّه باسمه، ليعرفه من ليس يعرفه صلى الله عليه وسلّم.


[ (١) ] الخطيب في التاريخ ٨/ ٧٠ وأورده ابن الجوزي ١/ ١٦٩ وانظر المجمع ٨/ ٢٦٩، ٩٢/ ١٣ والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٢١٣ وفي الدلائل ٥/ ٤٧٥ وانظر البداية ٦/ ٧٠.
[ (٢) ] الحديث عند البخاري ٥/ ٢٤٠ (٢٦٢٧، ٦٠٣٣) ومسلم ٤/ ١٨٠٢ حديث (٤٨/ ٢٣٠٧) وأحمد ٣/ ١٤٧، ٢٦١.
[ (٣) ] انظر الجامع الكبير للسيوطي ٢/ ٣٠٢.