روى ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، والطيالسي وعبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن قتادة: أن الله تعالى قال لهم في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة ٢١٤] فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب ٢٢] للقضاء، رضي الله عنهم.
[ذكر نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم]
لما نزل المشركون فيما ذكر، خرج عدوّ الله حيي بن اخطب النّضريّ حتى أتى كعب ابن أسد القرظيّ صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاهده على ذلك، فلما سمع كعب بحييّ أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: ويحك يا كعب! افتح، قال: ويحك يا حييّ! إنك امرؤ مشؤوم، وإنّي قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا صدقا ووفاء. قال: ويحك! افتح لي أكلّمك، قال: والله ما أنا بفاعل، قال: والله، إن أغلقت دوني إلا خوفا على جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظ الرّجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعزّ الدهر، وبحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاقدوني وعاهدوني على ألّا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب: جئتني والله بذلّ الدّهر وبجهام قد أهرق ماؤه، فهو يرعد ويبرق، وليس فيه شيء، ويحك يا حييّ! خلّني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذّروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ ممّا كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووعظهم عمرو بن سعدى وخوّفهم سوء فعالهم، وذكّرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وقال لهم: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوّه، فأبوا.
وخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة بنو سعنة: أسد وأسيد وثعلبة فكانوا معه، وأسلموا.