للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكرة مردودة لعمق الفوارق بين الإسلام وبين المسيحية وقد تبين من بعد أنه ليس في الإمكان إخضاع الدين لمقاييس العلم.

٢- تخليص الفكر الإسلامي من سائر الغيبيات التي لا تخضع لمقاييس العلم الحديث. ومن هنا كانت محاولة إخضاع السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لهذا المفهوم وهو ما جرى عليه كتاب التغريب من استبدال السند والرواية وقواعد التحديث وشروطه بأسلوب جديد (زائف) من الاستنتاج الشخصي المتصل بذوق ومزاج كل كاتب على حدة. فطه حسين تابع لمذهب العلوم الاجتماعي،. والعقاد تابع لمذهب العلوم النفسية، وهيكل تابع لمذهب تين وبرونتير إلخ. هذا الأسلوب الذاتي خطير جدا لأنه لا يقوم على قواعد أساسية علمية وإنما يقوم على أساس (الظن وما تهوى الأنفس) هذا الأسلوب يتيح لأصحابه أن يقبلوا وقائع وأحداثا وأن يغضوا عن غيرها ما يختلف مع وجهتهم المسبقة، من هنا كان خطورة هذا المذهب في (استبعاد ما يخالف المألوف مما يدخل في باب المعجزات والغيبات) في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك فقد حاول دعاة التغريب الاستفادة من هذا الاتجاه ملحظا خطيرا هو القول بأن الغاية منها هو ما أطلق عليه (فكرة الاندماج الكلي في الكمال الروحي) وأنها جميعا وحدة متصلة تربط البشرية في فكرة واحدة.

وهذه محاولة مضللة لأن الأديان مترابطة من حيث أن أولها يوصل إلى آخرها ولكن رؤساء الأديان غيروا وبدلوا وبذلك جاء الإسلام مرة أخرى يربط نفسه بدين إبراهيم ليعيد هذه الوحدة في مفهومها الصحيح.

[ثالثا: إنكار معطيات الرسالة الخاتمة:]

ومن ذلك ما أورده الدكتور زكي مبارك في كتابه (النثر الفني) من أنه كان للعرب في الجاهلية نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية وفلسفية كان الإسلام تاجا لها أي أن الإسلام كان نتيجة وتاجا لتلك النهضة لا سببا لها. يقول: لأنه لا يمكن لرجل فرد مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود ومن الظلمات إلى النور ومن العبودية إلى السيادة القاهرة، كل هذا لا يمكن أن يقع من دون أن تكون هذه الأمة قد استعدت في أعماقها وفي ضمائرها وفي عقولها بحيث استطاع (رجل واحد) أن يكوّن منها (أمة متحدة) وكانت قبائل متفرقة وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها وتجاربها وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا وإفريقيا وأوروبا في زمن وجيز ولو كان يكفي أن يكون الإنسان نبيا ليفعل ما فعله النبي محمد لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلوا لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>