اهتدى إليه من الآراء. وأنت واجد في كتب الكلام في مواضع كثيرة حكاية (تجريد النفس) عما ألفته من العقائد. ثم البحث والنظر فطريق التجريد طريق قديم وطريق التجربة والاستقراء طريق قديم، والتجربة والاستقراء التام وليدا الملاحظة فليس هناك جديد عندنا. ولكن هذه الطريقة القديمة بعد أن نسيت في التطبيق العلمي والعملي في الشرق وبعد أن فشا التقليد وأهدر العقل وبعد أن أبرزها الغربيون في ثوب ناصع وأفادوا منها في العلم والعمل رجعنا نأخذها ونراها طريقا في العلم جديدة» اه.
وهكذا تبين للمدرسة الحديثة أن الإسلام هو واضع الأسس لهذا المنهج العلمي الذي أخذوا به، وإن لم يعطوه حقه من الأصالة الإسلامية بل قصروه على الجوانب المادية ففاتهم خير كثير، نظرا لأن خلفياتهم مع الأسف كانت عربية ولم يكونوا قد قرأوا من التراث الإسلامي ما يمكنهم من معرفة الحقيقة كاملة.
لقد كتبت هذه الدراسات بالرغم من حسن النية عند البعض بصورة قاصرة خالية من الإيمان اليقين تحت اسم العلم الذي لا يعترف للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بمعجزة واحدة هي القرآن، وكان من رأي فريد وجدي وهيكل الإعراض عن الخبر الصادق الذي ثبت في الكتاب والسنة إذا عارض طريق العلم وبذلك حجبوا عن السيرة النبوية أهم جوانبها وأخطرها على الإطلاق وهو (جانب معجزة الوحي الإلهي وعالم الغيب) .
ولطالما ردد هيكل وطه حسين وغيرهما كلمة العلم والمنهج العلمي. والحقيقة أنهم ما كانوا يقصدون (العلم التجريبي) الذي يقوم في المعامل على أساس الأنابيق. وإنما العلم الذي قصدوا إليه والذي لقن لهم هو الفلسفة المادية التي قدمها التلموديون وكانت قد استفحلت في الغرب بعد القضاء على الفلسفة المثالية المسيحية، وهي فلسفة التنوير كما يقولون. قامت على إنكار جوانب الإنسان الروحية والمعنوية وتصويره بصورة الحيوان والحيوان الناطق والخاضع لشهوتي الطعام والجنس (ماركس وفرويد) وقد امتد هذا الأثر إلى علوم الاجتماع والأخلاق والتربية والأدب والسياسة جميعا ولم يكن هذا في الحقيقة هو العلم، وما كانت هذه الصيحات تساوي شيئا لأن هذه المفاهيم كانت سرعان ما تتعثر وتسقط أمام المتغيرات فضلا عن إنه قد ثبت- من بعد- عجز العلم التجريبي عن أن يقول (كيف) وعجز الدراسات المادية أن تكشف سرائر العلوم الإنسانية.
ولقد كانت هذه الدراسات مع الأسف خاضعة لفكرتين مسمومتين قائمتين في نفوس وعقول كتاب الغرب والتغريب هما:
١- فكرة (إخضاع الدين لمقاييس العلم) في أفق الفكر الإسلامي كما فعل الغرب وهي