بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنفسه الكريمة
[الباب الأول في الإذن بالقتال ونسخ العفو عن المشركين وأهل الكتاب]
قال العلماء رضي الله عنهم: أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوّته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر ١، ٢] فبدأه بقوله: «اقرأ» . وأرسله بيا أيها المدثر، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه، ثم إنذار من حولهم من العرب قاطبة، ثم إنذار من بلغته الدعوة من الجن والإنس إلى آخر الدهر، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويؤمر بالكفّ والصّبر والصّفح، ثم أذن له في الهجرة، فلما استقرّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأيّده الله تعالى بنصره وبعباده المؤمنين، وألّف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم، فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام: الأوس والخزرج، من الأسود، والأحمر، وبذلوا أنفسهم دونه، وقدّموا محبّته على محبّة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم من أنفسهم.
عادتهم العرب واليهود.
روى البيهقيّ وغيره عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمّروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب حتى كان المسلمون لا يبيتون إلا في السّلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترى نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور ٥٥] .