الباب الثامن في كون حرمته- صلى الله عليه وسلّم- بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازماً [ (١) ] كما كان في حال حياته
قال القاضي: قال أبو إبراهيم التّجيبي: «واجب على كل مؤمن متى ذكر- صلى الله عليه وسلّم- أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقّر، ويسكّن من حركته، ويأخذ من هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدّب بما أدّبنا الله تعالى به من قوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ [الحجرات ١] لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ [الحجرات ٢] لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة ١٠٤] لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور ٦٣] . ولما ناظر أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عباس ثاني خلفاء بني العباس مالكا في مسجده- عليه الصلاة والسلام- قال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات ٢] . وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر، وقال لمالك: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وادعو أم استقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال له: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله- تعالى- يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، فإنه تقبل به شفاعتك لنفسك قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [النساء ٦٤] أي بتحاكمهم إلى الطّاغوت وهو كعب بن الأشرف، سمي طاغوتا لعتوه وفرط طغيانه، وعداوته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاؤُكَ تائبين من نفاقهم فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء ٦٤] . مما تقدم منهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ/ [النساء ٦٤] التفت تفخيما لشأنه- صلى الله عليه وسلّم- وإيذانا بأن شفاعة من اسمه الرسول من الله تحل من القبول لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء ٦٤] أي لتاب عليهم ورحمهم، فلا يؤاخذهم بسوء صنيعهم.
وقال مالك- رحمه الله تعالى-: وقد سئل عن أبي أيوب السّختياني- بسين مفتوحة فمعجمة ساكنة فتاء مكسورة، نسبته لبيع السختيان أي: الجلد المدبوغ- ما حدّثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه.
وقال: وحج أيوب حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غير أنه إذا ذكر النبي- صلى الله عليه وسلّم- بكى حتى أرحمه فلما رأيت منه ما رأيت، [وإجلاله للنبي- صلى الله عليه وسلّم-] ، كتبت عنه.
وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري: كان مالك- إمام دار الهجرة إذا