وهي تزيد على المائة فقد امتازت بتحريمها على لسان أشرف الأنبياء بدعوته صلى الله عليه وسلم.
وكون المتعرّض لصيدها وشجرها يسلب كقتيل الكفار، وهو أبلغ في الزّجر مما في مكة، وعلى القول بعدمه هو أدلّ على عظيم حرمتها حيث لم يشرع له جزاء. ويجوز نقل ترابها للتداوي، واشتمالها على أشرف البقاع وهو محل القبر الشريف، ودفن أفضل الخلق بها وأفضل هذه الأمة وكذا أكثر الصحابة والسلف الذين هم خير القرون، وخلقهم من تربتها، وبعث أشراف هذه الأمة يوم القيامة منها على ما نقله [عياض] في المدارك عن الإمام مالك، قال:«وهو لا يقول من عند نفسه» .
وكونها محفوفة بالشهداء كما قاله الإمام مالك أيضا، وبها أفضل الشهداء الذين بذلوا أنفسهم في ذات الله بين يدي نبيهم صلّى الله عليه وسلم، فكان شهيدا عليهم، واختيار الله تعالى إياها لأفضل خلقه وأحبّهم إليه، واختيار أهلها للنّصرة والإيواء، وافتتاحها بالقرآن وسائر البلاد بالسيف والسّنان، وافتتاح سائر بلاد الإسلام منها، وجعلها مظهر الدين، ووجوب الهجرة إليها قبل فتح مكة والسكنى بها لنصرته صلى الله عليه وسلم ومواساته بالأنفس على ما قاله القاضي عياض أنه متفق عليه، قال:
«ومن هاجر قبل الفتح فالجمهور على منعه من الإقامة [بمكة] بعد الفتح، ورخّص له ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه، والحث على سكنى المدينة وعلى اتخاذ الأصل بها وعلى الموت بها، والوعد على ذلك بالشفاعة أو الشهادة أو هما، واستحباب الدعاء بالموت بها، وتحريضه صلى الله عليه وسلم على الموت بها وشفاعته أو شهادته لمن صبر على لأوائها وشدّتها، وطلبه لزيادة البركة بها على مكة ودعاؤه بحبها وأن يجعل الله لديها قرارا ورزقا حسنا، وطرح الرداء عن منكبيه إذا قاربها، وتسميته لها طيبة» وغيرها مما سبق. «وطيب ريحها، وللعطر بها رائحة لا توجد في غيرها» قاله ياقوت.
وطيب العيش بها وكثرة أسمائها، وكتابتها في التوراة مؤمنة وتسميتها فيها بالمحبوبة والمرحومة وإضافتها إلى الله تعالى في قوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء ٩٧] ، وإلى النبي بلفظ البيت في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال ٥] وإقسام الله تعالى في قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد ١] والبداءة بها في قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء ٨٠] ، مع أن المخرج مقدّم على المدخل. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لها خصوصا بالبركة، ولثمارها ومكيالها وأسواقها وأهلها.
ولقوله إنها تنفي الذنوب وتنفي خبثها، وأنه لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها خيرا منه ومن أرادها وأهلها بسوء أذابه الله، الحديث، فرتّب الوعيد فيها على الإرادة، كما قال