[الباب الثامن عشر في وفود بهراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]
روى محمد بن عمر عن كريمة بنت المقداد رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلاثة عشر رجلا. فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو، ونحن في منازلنا ببني حديلة. فخرج إليهم المقداد فرحّب وأنزلهم وقدم لهم جفنة من حبس. قالت ضباعة: كنّا قد هيّأناها قبل أن يحلّوا لنجلس عليها، فحملها المقداد وكان كريما على الطعام.
فأكلوا منها حتى نهلوا وردّت إلينا القصة وفيها شيء فجمع في قصعة صغيرة ثم بعثنا بها مع سدرة مولاتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته في بيت أم سلمة.
فقال صلى الله عليه وسلم: «ضباعة أرسلت بهذا؟» قالت سدرة: نعم يا رسول الله، قال: «ضعي» ثم قال: «ما فعل ضيف أبي معبد؟» قلت:
عندنا. فأصاب منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومن معه في البيت حتى نهلوا وأكلت معهم سدرة.
ثم قال: «اذهبي بما بقي إلى ضيفكم» .
قالت سدرة: فرجعت بالقصعة إلى مولاتي. قالت:
فأكل منها الضيف ما أقاموا. فردّدها عليهم وما تغيض حتى جعل الضيف يقولون يا أبا معبد إنك لتنهلنا من أحبّ الطعام إلينا وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين. وقد ذكر لنا أن بلادكم قليلة الطعام إنما هو العلق أو نحوه ونحن عندكم في الشّبع. فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل منها وردّها وهذه بركة أصابعه صلّى الله عليه وسلم. فجعل القوم يقولون: نشهد أنه رسول الله وازدادوا يقينا، وذلك الذي أراد صلى الله عليه وسلم فأتوه فأسلموا وتعلموا الفرائض وأقاموا أياما.
ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعونه فأمر لهم بجوائز وانصرفوا إلى أهليهم.
[تنبيه: في بيان غريب ما سبق:]
بهراء: بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالراء والمدّ.
بنو حديلة: بضم الحاء وفتح الدال المهملتين فتحتية ساكنة فلام.
رحّب بهم: قال لهم: مرحبا.
الجفنة: بفتح الجيم.
الحيس: بفتح الحاء وسكون التحتية وبالسين المهملتين: الأقط بالتمر والسّمن.
العلق: بعين مهملة مضمومة فلام ساكنة فقاف: جمع علقة وهي البلغة من الطعام.