للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر قدوم أبي بصير على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ورده إليهم وما حصل له ولأصحابه من الفرج

روى عبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة، والبيهقي عن ابن شهاب الزّهريّ [ (١) ] . إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما قدم المدينة من الحديبية أتاه أبو بصير عتبة- بضم العين المهملة- ابن أسيد- بوزن أمير- بن جارية- بجيم- الثقفي، حليف بني زهرة- مسلما قد أفلت من قومه- فسار على قدميه سعيا، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف الزّهريّ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابا وبعثا خنيس- بمعجمة ونون وآخره مهملة- مصغّر- ابن جابر من بني عامر بن لؤيّ، استأجراه ببكر بن لبون، وحملاه على بعير، وكتبا يذكران الصّلح الذي بينهم، وأن يردّوا إليهم أبا بصير، فخرج العامريّ ومعه مولّى له يقال له كوثر دليلا، فقد ما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ أبي بن كعب الكتاب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فإذا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه، وأشهدنا بينك وبيننا من ردّ من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا.

فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا بصير أن يرجع معهما، ودفعه إليهما فقال: يا رسول الله تردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فقال: «يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وأن الله- تعالى جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا» ، فقال: يا رسول الله تردّنّي إلى المشركين؟!! قال: «انطلق يا أبا بصير، فإنّ الله سيجعل لك فرجا ومخرجا» فخرج معهما،

وجعل المسلمون يسرّون إلى أبي بصير: يا أبا بصير أبشر فإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا، والرّجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بقتل اللذين معه، وقال له عمر: أنت رجل، ومعك السيف، فانتهيا به عند صلاة الظهر بذي الحليفة، فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين، صلاة المسافر، ومعه زاد له من تمر يحمله، يأكل منه. ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه فقد ما سفرة فيها كسر فأكلوا جميعا وقد علّق العامريّ سيفه في الجدار وتحادثا. ولفظ عروة: فسلّ العامريّ سيفه ثمّ هزّه فقال: لأضربنّ بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل. فقال له أبو بصير: أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم، قال: ناولنيه أنظر إليه إن شئت، فناوله إيّاه، فلمّا قبض عليه ضربه به حتى برد. قال ابن عقبة: ويقال بل تناول أبو بصير السّيف بفيه وصاحبه نائم، فقطع إساره ثمّ ضربه به حتّى برد، وطلب الآخر فجمز مذعورا مستخفيا، وفي لفظ: وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة وهو عاضّ على أسفل ثوبه قد بدا طرف ذكره،


[ (١) ] أخرجه البخاري ٥/ ٣٢٩ في الشروط وأبو داود في الجهاد باب ١٦٧ وأحمد ٤/ ٣٣١ والبيهقي في الدلائل ٤/ ١٠٧ وفي السنن ٩/ ٢٢١ وعبد الرزاق في المصنف (٩٧٢٠) وانظر البداية والنهاية ٤/ ١٧٦.