للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الرابع في تقدم أخذ الميثاق عليه، زاده الله تعالى شرفاً وفضلاً لديه

روى ابن سعد [ (١) ] عن الشعبي [ (٢) ] مرسلا قال: قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟

قال: «وآدم بين الروح والجسد حين أخذ منّي الميثاق»

[ (٣) ] .

وروى أبو سهل القطّان [ (٤) ] في أماليه، عن سهل بن صالح الهمذانيّ، قال: سالت أبا جعفر محمد بن علي: كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث؟ قال: إن الله لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم: الست بربكم، كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال بلى. ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث.

قال الحافظ ابن رجب في اللّطائف: وخبر الشعبي يدل على أنه من حين صوّر آدم طيناً استخرج وأخذ منه صلى الله عليه وسلّم ونبئ واخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهر آدم حتى يخرج وقت خروجه الذي قد رأيت خروجه فيه، فهو أولهم خلقاً، وآخرهم بعثاً، وهو آخر النبيّين باعتبار أن زمانه تأخّر عنهم.

لا يقال: خلق آدم قبله، لأن آدم كان حينئذ هواء لا روح فيه، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان حيّاً حين استخرج ونبّئ واخذ منه الميثاق، ولا يقال إن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخ الروح فيه، كما دلّ عليه أكثر الأحاديث والذي تقرر أنه استخرج ونبّئ قبل نفخ الروح في آدم، لأنه صلى الله عليه وسلم خص باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخ الروح فيه فإن محمدا صلى الله عليه وسلم هو المقصود من خلق النوع الإنسانيّ، وهو عينه وخلاصته. ويستدل بخبر الشّعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيّاً، فإنّ نبوّته وجبت له حين أخذ الميثاق حيث استخرج من صلب آدم فكان نبيّاً حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه


[ (١) ] محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البصري، كاتب الواقدي، ونزيل بغداد، وصاحب الطبقات، وأحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرّين. عن الوليد بن مسلم وهشيم ومعن بن عيسى وابن عليّة وخلق. وعنه (د) وابن أبي الدنيا وأحمد بن يحيى البلاذري. قال الخطيب: كان من أهل العلم والفهم والعدالة، وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من روايته. قال ابن قهم: توفي ببغداد سنة ثلاثين ومائتين. الخلاصة ٢/ ٤٠٦.
[ (٢) ] عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين. التقريب ١/ ٣٨٧.
[ (٣) ] أخرجه ابن سعد ١/ ١١٨.
[ (٤) ] أبو سهل القطان، الإمام المحدث الثقة، مسند العراق، أبو سهل، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد بن عباد، القطان البغدادي. قال الخطيب: كان صدوقا أديبا شاعرا، توفي في شعبان سنة خمسين وثلاثمائة وكان مولده في سنة تسع وخمسين ومائتين. انظر سير أعلام النبلاء ١٥/ ٥٢١- ٥٢٢.