ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- علي ذلك
روى الإمام أحمد عن أبي الطّفيل، والبيهقي عن حذيفة، وابن سعد عن جبير بن مطعم- رضي الله عنهم- وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة، والبيهقي عن ابن إسحاق. ومحمد بن عمر عن شيوخه- رحمهم الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق. وفي رواية كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجعلوا يلتمسون غرته، فلما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، وقالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم، فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك العقبة نادى مناديه للناس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، واسلكوا بطن الوادي، فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا، وسلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة ويقودها وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه، فبينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسير من العقبة إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فنفّروا ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعقبة، وكانت ليلة مظلمة،
قال حمزة: فنوّر لي في أصابعي الخمس، فأضاءت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما، فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال: إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى، فعلم القوم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قد اطّلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة: هل عرفت أحدا من الركب، الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله قد عرفت رواحلهم، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل. قال:«هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا» ؟ قالوا: لا والله يا رسول الله. قال:«فإنهم مكروا ليسيروا معي فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها- إن شاء الله تعالى- قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبركم بهم إن شاء الله تعالى» قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ثم قال: «اكتماهم» فانطلق إذا أصبحت فاجمعهم لي، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال