للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصة أخرى: روى البخاري في المغازي وفي الأشربة، عن جابر بن عبد الله، عن سلمة ابن الأكوع- رضي الله عنهما- قالا: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة،

وقال جابر في رواية: وقد حضر العصر، وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فتّوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «ما لكم؟» قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضّأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك فأفرغتها في قدح، ووضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يده في القدح، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضّأنا،

فقال سالم بن أبي الجعد: فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا، كنّا خمس عشرة مائة. [ (١) ]

ذكر نزول المطر في تلك الأيام وما قاله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صبيحة المطر

روى الشيخان وأبو عوانة، والبيهقي عن زيد بن خالد- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى بنا النبي- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: أتدرون ماذا قال ربّكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم: قال: قال الله عز وجل:

«أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما المؤمن من قال: مطرنا برحمة الله وبفضل الله فهو مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنجم كذا- وفي رواية: بنوء كذا وكذا- فهو مؤمن بالكواكب كافر بي» .

[ (٢) ]

قال محمد بن عمر: وكان ابن أبيّ بن سلول قال: هذا نوء الخريف مطرنا بالشّعري.

وروى ابن سعد عن أبي المليح عن أبيه قال: أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبلّ أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن صلّوا في رحالكم.

وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيّان- رضي الله عنهما- بالحديبية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- غنما وجزورا، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة- رضي الله عنه- جزرا- وكان صديقا له- فجاء سعد بالجزر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأخبره أن عمرا أهداها له، فقال: «وعمرو قد أهدى لنا ما ترى، فبارك الله في عمرو» ثم أمر بالجزر تنحر وتقسم في أصحابه، وفرّق الغنم فيهم من آخرها

وشرك فيها فدخل على أم سلمة من لحم الجزور كنحو ما دخل على رجل من القوم، وشرك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شاته، فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر- صلى الله عليه وسلّم- للّذي جاء بالهدية بكسوة.


[ (١) ] أخرجه البخاري في المصدر السابقة (٤١٥٢) .
[ (٢) ] أخرجه البخاري ٥/ ٢٥٩ (٤١٤٧) وأخرجه مسلم في الإيمان (١٢٥) والبيهقي في دلائل النبوة ٤/ ١٣١.