للخروج معه وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا، لعل الله تعالى أن يغنمكموها، فانتدب الناس، فخفّ بعض، وثقل بعض، وتخلف عنه بشر كثير، وكان من تخلف لم يلم، وذلك أنهم لم يظنّوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفالا بليغا، فقال: من كان ظهره حاضرا فليركب معنا. فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علوّ المدينة، قال: لا، ألا من كان ظهره حاضرا، وحمل سعد بن عبادة رضي الله عنه على عشرين جملا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من المدينة بعشر ليال طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام، يتحسّسان خبر العير، فبلغا أرض الخوار، بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة وبالراء- فنزلا على كثيّر بن مالك الجهني رضي الله عنه فأجارهما، وأنزلهما وكتم عليهما حتى مرّت العير، ثم خرجا، وخرج معهما كثيّر خفيرا، حتى أوردهما ذا المروة، فقدما ليخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه قد خرج. ولما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبع أقطعها لكثيّر، فقال: يا رسول الله، إنّي كبير ولكن اقطعها لابن أخي، فأقطعه إياها، فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. رواه عمر بن شبة.
وأدرك أبا سفيان رجل من جذّام بالزّرقاء من ناحية معان، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عرض لعيره في بدايته، وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير، وقد خالف عليهم أهل الطريق ووادعهم، فخرج أبو سفيان ومن معه خائفين للرّصد. ولما دنا أبو سفيان من الحجاز جعل يتحسّس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان: إن محمدا قد استنفر لك ولعيرك، فحذر عند ذلك واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ بعشرين مثقالا، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يجدع بعيره، ويحول رحله، ويشقّ قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة، ويأتي قريشا، ويستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، وفعل ما أمره به أبو سفيان.
[ذكر منام عاتكة بنت عبد المطلب]
روى ابن إسحاق والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة، عن ابن عباس وموسى بن عقبة، وابن إسحاق عن عروة، والبيهقي، عن ابن شهاب، قالوا: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم- قبل مقدم ضمضم على قريش بثلاث ليال- رؤيا. فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي، لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، ليدخلنّ على قومك منها شرّ وبلاء! فقال: وما هي؟ قالت: لن أحدّثك حتى تعاهدني أنك لا تذكرها، فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحبّ، فعاهدها العبّاس، فقالت: رأيت أن رجلا أقبل على بعير فوق الأبطح، فصاح بأعلى صوته: انفروا يا آل غدر، لمصارعكم في ثلاث، وصاح ثلاث صيحات فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم إن بعيره دخل به المسجد،