قال في موضع آخر: لحوم العلماء سم من شمها مرض، ومن ذاقها مات، انتهى.
فإن قيل: فهل يكون الولي معصوما؟ قيل: إما وجوبا كما في الأنبياء فلا، وإما أن يكون محظوظا فممكن، فإن قيل: فهل يجوز أن يعلم الولي ولايته؟ قيل: منعه الإمام ابن فورك، لأن ذلك يسلبه الخوف، ويوجب له الأمن وأجازه أبو القاسم القشيري، وقال: هو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك واجبا في جميع الأولياء، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي، ولكن يجوز أن يعلم ذلك، ولهذا قال بعضهم: يجوز أن يبلغ الولي إلى حد يمنع يسقط عنه الخوف، ولكن الغالب خلافه، وهذا السري السقطي، يقول: لو أن أحدا دخل بستانا فيه أشجار على كل شجرة طير يقول بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أنه مكر، لكان ممكورا به فإن قلت: هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم يتغير حاله؟ قيل: فيه خلاف مبني على خلاف، وذلك أنه اختلف هل يشترط في الولاية حسن الموافاة أم لا؟ فمن شرط ذلك لم يخبره، ومن لم يشترط أجازه ولكن الغالب على الولي في أوان صحوة صدقه في أداء حقوقه تعالى، والشفقة على الخلق في جميع أحوالهم، ودوام تحمله عنهم وابتدائه بطلب الإحسان من الله تعالى إليهم، من غير التماس منهم وترك الطمع بكل وجه فيهم، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، ودوام حزنه وغير ذلك، كما هو معروف عند أهله نفعنا الله بهم، ولا حرمنا بركته.
[الباب الثاني في فوائد تتعلق بكرامات الأولياء نفعنا الله تعالى بهم]
اعلم أن الكرامة الواقعة لولي هي في الحقيقة من معجزات النبي الذي هذا الولي متبع له لأنها إنما ظهرت بسبب إتباعه وبركته، وقد اختلف فيها، فذهب أهل السنة إلى جوازها، وأنكرها المعتزلة وأبو إسحاق بناء على أن إمام الحرمين في «الإرشاد» يميل إلى قريب منهم، وممن نقل جوازها إمام المتكلمين القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين والغزالي والقشيري في رسالته، والرازي، ونصر الدين الطوسي في قواعد العقائد، والنسقي، والبيضاوي في طوالعه ومصابيحه، والشيخ أبو الوليد بن رشد، ونص كلامه في أجوبته أن إنكارها، والتكذيب بها بدعة وضلالة يثبتها في الناس أهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون آيات الأنبياء والمرسلين، انتهى.
والدليل على جوازها وقوعها، إذ لو لم تكن جائزة لم تقع، وقد ثبت وقوعها بالكتاب،