بسم الله الرحمن الرّحيم اللهم إنا نحمدك حمدا يوافي جليل نعمك، ويكافئ مزيد آلائك ونسألك توبة محّاءة وسترا لا ينكشف، ونبرأ إليك من الحول والقوة، ونرغب إليك في أن تجعل كل ما نتصرف فيه منصرفا إلى ما يتصل برضاك، ومصروفا عما يؤدي إلى سخطك. ونصلي ونسلم على النبي الأمي وعلى أبويه الكريمين إبراهيم وإسماعيل أما بعد.
فأمر لا ريب فيه أننا مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا وتقريرا كما أشار إلى ذلك الذكر الحكيم في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وذلك أيضا أمر الله الواجب في قوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مناط الاتباع، كما أمر بذلك الشارع الحكيم، وجب على فريق من الأمة أن تنفر لجمع وتصنيف وتوصيف حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فقد ضيعت الأمة بيان الكتاب وأسوتها في تنفيذه، وذلك مما تعوّذ أئمة الأمة بالله من التقصير فيه فضلا عن تركه فقد كانوا- رحمهم الله- أبصر الناس بفقه أوامر الكتاب، وبالتقرب إلى الله بخدمته. لذلك فقد عكفوا على تدوين سيرة النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ونقدا وتمحيصا. ولا في تراث هذه الأمة- الذي يعد ذخيرتها، وسبب حياتها- أجمع ولا أوعى من هذا الكتاب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك العمل الجليل باد بالرجوع إلى كتب السنة على اتساعها واكتنازها بالذخائر النبوية والجواهر المحمدية، فحقت بذلك كلمة مصنفه- رحمه الله- وناظم درره وسالك جواهره، ومعطف أفنانه ومشبك أغصانه، فخرج الكتاب شجرة يانعة، جمعت أطايب الثمار ويانع الأزهار وكان الكتاب كما قال رحمه الله تعالى وأثابه في خطبة الكتاب «فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب، وتحرّيت فيه الصّواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم وأعلام نبوّته وشمائله وسيرته وأفعاله وأحواله وتقلّباته، إلى أن نقله الله- تعالى- إلى أعلى جنّاته، وما أعدّه له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم» .
ولم أذكر فيه شيئاً من الأحاديث موضوعا، وختمت كلّ باب بأيضاًح ما أشكل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النّفائس المستجادات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات، والجمع بين الأحاديث التي يظن بها أنّها من المتناقضات، وإذا ذكرت حديثاً من عند الأئمّة