جئتكم قبل أن يبعث محمد وبينكم التوراة فقلتم لي في مجلسكم هذا: يا بن مسلمة إن شئت أن نغدّيك غدّيناك، وإن شئت أن نهوّدك هوّدناك، فقلت لكم: بل غدّوني ولا تهوّدوني، فإني والله لا أتهوّد أبدا، فغدّيتموني في صحفة لكم، وقلتم لي: ما يمنعك من ديننا إلا أنه دين يهود، كأنك تريد الحنيفية التي سمعت بها، أما إنّ أبا عامر الراهب ليس بصاحبها، أتاكم صاحبها الضّحوك القتّال في عينيه حمرة، ويأتي من قبل اليمن، يركب البعير، ويلبس الشّملة، ويجتزئ بالكسرة، وسيفه على عاتقه، ينطق بالحكمة كأنه وشيجتكم هذه، والله ليكوننّ في قريتكم هذه سلب، وقتل، ومثل، قالوا: اللهم نعم، قد قلنا ذلك وليس به. قال: قد فرغت،
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يقول لكم:«إنكم قد نقضتم العهد الذي جعلت لكم، بما هممتم به من الغدر بي» .
وأخبرهم بما كانوا همّوا به وظهور عمرو بن جحّاش على البيت ليطرح الصخرة، فأسكتوا، فلم يقولوا حرفا.
ويقول:«اخرجوا من بلدي وقد أجّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه» ،
قالوا: يا محمد، ما كنا نرى أن يأتي بهذا رجل من الأوس.
قال محمد بن مسلمة: تغيّرت القلوب.
فمكثوا على ذلك أيّاما يتجهّزون، وأرسلوا إلى ظهرهم بذي الجدر يجلب لهم، وتكاروا من ناس من أشجع [إبلا] وجدّوا في الجهاز.
ذكر إرسال عبد الله بن أبيّ إليهم بعد الخروج من أرضهم
فبينما هم على ذلك إذ جاءهم رسولا عبد الله بن أبي ابن سلول: سويد، وداعس، فقالا: يقول عبد الله بن أبيّ: لا تخرجوا من دياركم وأموالكم، وأقيموا في حصونكم، فإنّ معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصنكم، فيموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدّكم قريظة، فإنهم لن يخذلوكم، ويمدّكم حلفاؤكم من غطفان. وأرسل ابن أبيّ إلى كعب بن أسد القرظيّ يكلمه أن يمدّ أصحابه، فقال: لا ينقض رجل واحد منا العهد.
فيئس ابن أبيّ من بني قريظة، وأراد أن يلحم الأمر فيما بين بني النّضير ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يرسل إلى حيي بن اخطب، فقال حييّ: أنا أرسل إلى محمد أعلمه أنّا لا نخرج من دارنا وأموالنا، فليصنع ما بدا له. وطمع حييّ فيما قال ابن أبيّ.
فقال له سلّام بن مشكم: «منّتك نفسك والله- يا حييّ الباطل، ولولا أن يسفّه رأيك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود، فلا تفعل يا حييّ، فو الله إنك لتعلم- ونعلم معك- أنه لرسول الله، وأنّ صفته عندنا، وأنّا لم نتّبعه وحسدناه، حيث خرجت النبوة من بني هارون، فتعال فلنقبل ما أعطانا من الأمن ونخرج من بلاده، وقد عرفت أنّك خالفتني في الغدر به، فإذا كان أوان الثّمر، جئنا أو جاء أحد منّا إلى ثمره فباع أو صنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا، فكأنّا لم