ومن كلامه- رضي الله تعالى عنه-: أعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله- عز وجل- فلا تملوا النعم، فتعود نقما، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا، ويعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه، رجلا حسنا جميلا يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا سمجا مقبوحا تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار، واعلموا أن من جاد ساد، ومن بخل رذل. ومن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غدا وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إياك ودم آل أبي طالب، فإني رأيت بني حرب لما قتلوا حسينا- رضي الله تعالى عنه- نزع الله- عز وجل- الملك منهم.
الثالث عشر: في خروجه إلى أرض العراق- رضي الله تعالى عنه- ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم، وأنهم ينصرونه، وخذلانهم له وكيفية قتله- رضي الله تعالى عنه-.
روى ابن حيان وأبو داود الطيالسي في «مسنده» عن الشعبي قال: بلغ ابن عمر- رضي الله تعالى عنه- أن الحسين بن علي- رضي الله تعالى عنهما- قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق ومعه طوامير، وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم: فقال له: إن الله- عز وجل- خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وأنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبدا وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبى، وقال هذه: كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل.
وقد وقع ما فهمه ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- سواء بسواء من أهل هذا البيت لأنها صارت ملكا، والله- عز وجل- قد صان أهل بيت نبيه- عليه الصلاة والسلام- عن الملك والدنيا.
وروى أبو القاسم البغوي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: استشارني الحسين في الخروج فقلت: لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني مكة، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه.
وروي عن بشر بن غالب، قال: كان ابن الزبير يقول للحسين- رضي الله تعالى عنهما-: تأتي قوما قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال الحسين- رضي الله تعالى عنه- لأن أقتل بموضع كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي، يعني الحرم.
الرابع عشر: في كرامات حصلت له، وآيات ظهرت لمقتله- رضي الله تعالى عنه-.