للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضا قال: إنا كنا نعد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس: «رب اغفر لي، وتب عليّ، إنّك أنت التواب الرحيم، مائة مرة» ، وفي لفظ: التواب الغفور.

وروى ابن أبي شيبة ومسلم والأربعة عن الأغرّ بن مزينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله،

وفي لفظ: وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» ،

وفي رواية: سمعته يقول: «توبوا إلى ربكم، فو الله إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم» .

وروى محمد بن يحيى بن عمر برجال ثقات عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات قبل موته بسنة: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك» ، قالت فقلت: يا رسول الله لقد لزمت هذه الكلمات، قال:

«إن ربي عهد إلي عهدا أو أمرني بأمر، فأنا أتّبعه» ، ثم قرأ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ حتى ختم السورة.

[تنبيهات]

الأول: استشكل وقوع الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية، وأجيب بأجوبة منها: أنه رأى الاشتغال بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو مخالطة الناس، والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة، ومداراته أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله تعالى، والتضرع إليه، ومشاهدته، ومراقبته، ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي، وهو الحضور في حظيرة القدس، ومنها: أن استغفاره تشريع لأمته، أو من ذنوب لأمته، فهو كالشفاعة لهم. وقال الشيخ شهاب الدين السّهروردي لما كانت روح النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب تستتبع القلب، والقلب يستتبع النفس، ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس، وكانت خطى النفس تقصر عن مداهما في العروج، فمما نهضت به الحكمة إبطاء حركة القلب لئلا تتقطع علاقة النفس عنه، فيبقى العباد محرومين فكان صلى الله عليه وسلّم يفزع إلى الاستغفار، لقصور النفس عن ترقي القلب، ومنها: أن في الاستغفار والتوبة معنى لطيفا، وهو استدعاء لمحبة الله تعالى، فإحداثه الاستغفار والتوبة في كل حين استدعاء لمحبة الله تعالى.

الثاني: الغين، قال شعبة: سألت الأصمعي ما معنى ليغان على قلبي؟ فقال: عمّن يروى ذلك؟ قلت: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لفسرته، وأما قلبه صلى الله عليه وسلم فلا أدري، كان شعبة يتعجب منه، وسئل أبو عبيدة عنه فلم يفسره.

وقال الجنيد: لولا أنه حال النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت فيه، ولا يتكلم على حال إلا من كان