للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثاني عشر في رعيته صلى الله عليه وسلم الغنم]

عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «ما بعث اللَّه نبيا إلا راعي غنم» . فقال له أصحابه: وأنت يا رسول اللَّه؟ قال: «وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط [ (١) ] » .

رواه ابن سعد والبخاري وابن ماجة.

وعن جابر بن عبد الله رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه فإني كنت أجنيه إذ كنت أرعى الغنم. قلنا:

وكنت ترعى الغنم يا رسول اللَّه؟ قال: نعم. وما من نبي إلا وقد رعاها [ (٢) ] .

رواه الإمام أحمد وابن سعد والشيخان.

وروى أبو داود الطيالسي والبغوي وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر عن بشر بن حرب البصري مرسلا، والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه قالا: افتخر أهل الإبل والشاء، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا راعي غنم لأهلي بأجياد

[ (٣) ] » .

[تنبيهات]

الأول: قال العلماء رضي اللَّه تعالى عنهم: الحكمة في إلهام رعي الغنم قبل النبوة: أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما سيكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل الحلم والشفقة، لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسيرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما تحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها. وفي ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لذلك بعد أن علم أن أكرم الخلق على اللَّه


[ (١) ] أخرجه البخاري ٣/ ١١٦ وابن ماجة (٢١٤٩) والبيهقي في السنن ٦/ ١١٨ وأبو نعيم في الدلائل ١/ ٥٥.
[ (٢) ] أخرجه البخاري ٤/ ١٩١ ومسلم ٣/ ١٦٢١ (١٦٣- ٢٠٥٠) وأحمد في المسند ٣/ ٣٢٦.
[ (٣) ] أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٩٦ وابن سعد في الطبقات ١/ ١/ ٨٠ وابن المبارك في الزهد (٤١٥) .