[المرة الثالثة: عمارة أولاد آدم صلى الله عليه وسلم]
روى ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه- رحمه الله تعالى- أن آدم صلى الله عليه وسلم لما توفي رفعه الله تعالى إلى الجنة ورفع الله تعالى إليه الخيمة التي تقدّم ذكرها. قال: وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وخفي مكانه.
وذكر السهيلي- رحمه الله تعالى- أن الذي بناه شيث بن آدم صلى الله عليه وسلّم.
[المرة الرابعة: عمارة سيدنا إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم]
وجزم ابن كثير بأن الخليل أول من بنى البيت مطلقاً، وقال: إنه لم يثبت خبر عن معصوم أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل. انتهى. وفيه نظر لما ذكر من الآثار السابقة واللاحقة.
وروى ابن سعد عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم رضي الله تعالى عنه والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن شيبة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس. - رضي الله تعالى عنهما- واللفظ له: أن أول ما اتخذ النساء المناطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً لتعفّي أثرها عن سارة. وفي لفظ: أول ما اتخذت العرب جرّ الذيول عن أم إسماعيل. قال الحافظ: والسبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فحملت منه بإسماعيل.
قال أبو جهم [ (١) ] وكان سن إبراهيم حينئذ سبعون سنة وكان إسماعيل بكر أبيه. انتهى.
فلما ولدته غارت منها سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدّت به وسطها وهربت وجرّت ذيلها لتخفي أثرها على سارة. ويقال: إن إبراهيم صلى الله عليه وسلّم شفع فيها، وقال لسارة: حلّلي عن يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك.
ويقال أن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة. انتهى كلام الحافظ.
وفي حديث أبي جهم أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه- وهو ابن سنتين- وهاجر خلفه ومعه جبريل يدلّه على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمرّ بقرية إلا قال إبراهيم: بهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول: لا حتى قدم مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر، والعماليق يومئذ حول
[ (١) ] أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، وأمّه بشيرة بنت عبد الله من بني عدي بن كعب. أسلم يوم فتح مكة ومات بعد قتل عمر بن الخطاب. انظر طبقات ابن سعد ٦/ ٨.