قد ذكروا في علاج السم أنه إما أن يكون بالاستفراغات، وإما أن يكون بالأدوية التي تعارض فعل السّمّ وتبطله إما بكيفياتها، وإما بخواصها، فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي، وأنفعه الحجامة ولا سيما إذا كان البلد حارّا، والزمان حارّا فإن القوة السّميّة تسري إلى الدّم فتنبعث في العروق والمجاري، حتى تصل إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته، فإن استفرغ استفراغا تاما لم يضرّه السم، بل إما أن يذهب وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة فتبطل فعله أو تضعفه وإنما احتجم النبي- صلى الله عليه وسلم- في الكاهل، لأنه أقرب إلى القلب، فخرجت المادة السّمّيّة مع الدّم لا خروجا كليا، بل بقي أثرها مع ضعفه، لما يريد الله تعالى من تكميل مراتب الفضل كلها له بالشهادة زاده الله فضلا وشرفا.
الباب الرابع والخمسون في سيرته- صلّى الله عليه وسلم- في لدغ الهوام
روى الطبراني وأبو نعيم بسند حسن عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: لدغت النبي- صلى الله عليه وسلم- عقرب وهو يصلي، فلما فرغ قال:«لعنك الله لا تدعين نبيّا ولا غيره» ثم دعا بماء وملح فجعل يمرّ بها عليها ويقرأ المعوذتين، وقل يا أيها الكافرون.
وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: ذكر عند النبي- صلى الله عليه وسلم- رقية من الحمّة فقال: اعرضوها عليّ، فعرضوها عليه، بسم الله قرنية شجنة ملحة بحر قفطا فقال:«هذه مواثيق أخذها سليمان بن داود على الهوامّ، لا أرى بها بأسا» قال:
فلدغ رجل وهو مع علقمة، فرقاه بها، فكأنّما نشط من عقال.
وروى الطبراني في الكبير بسند حسن عن عبد الله بن زيد- رضي الله تعالى عنه- قال: عرضنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رقية من الحمّة فأذن لنا فيها وقال:«إنّما هي مواثيق، والرّقية بسم الله شجنة قرنية ملحة قفطا» .
وروى الطبراني في الكبير بسند لين فيه من تكلّم فيه عن سهل بن أبي حثمة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج وخرج معه عبد الرحمن بن سهل فلما كانا بالحرّة نهشت عبد الرحمن بن سهل حيّة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا عمرو بن حثمة» ، فدعي فعرض رقيته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:«لا بأس بها ارقه» فوضع ابن حثمة يده عليه فقال: يا رسول الله قد يموت، أو قد مات فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ارقه» وإن كان قد مات فرقاه، فصحّ عبد الرحمن وانطلق.