وبتولي الله سبحانه تعالى الرد على أعدائه عنه صلى الله عليه وسلم بخلاف من تقدمه من الأنبياء، كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم لقول نوح: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف ٦١] وقول هود: يا قَوْمِ، لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [الأعراف ٦٧] وأشباه ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم تولى الله سبحانه وتعالى تبرئته عما نسب إليه أعداؤه ورد عليهم بنفسه. فأجاب حين قالوا:«مجنون» : ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم ٢] وأجاب عنه تعالى حين قالوا: «هو شاعر» فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس ٦٩] فنفى الله تبارك وتعالى عنه الشعر بسائر الأوزان.
وأجاب سبحانه وتعالى عنه حين قالوا:«افترى القرآن» ، فقال عز وجل: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس ٣٧] .
الافتراء: الكذب.
وأجاب تبارك وتعالى اسمه عنه حين قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فقال عز وجل: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل ١٠٣] وأجاب تقدس اسمه عنه حين قال العاص بن وائل، إنه أبتر، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر ٣] .
[الثانية والتسعون.]
وبمخاطبته سبحانه وتعالى له بألطف ما خاطب به الأنبياء، فإن الله تعالى قال لداود ع: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص ٢٦] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم ٣] ، تنزيها له عن ذلك بعد الإقسام عليه، وقال عن موسى:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء ٢١] وقال عن نبينا صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال ٣٠] الآية فكنى عن خروجه وهجرته بأحسن العبارات ولم يذكره بالفرار الذي فيه نوع من الغضاضة.
[الثالثة والتسعون.]
وبأنه تعالى قرن اسمه صلى الله عليه وسلم باسمه في كتابه في ثمانية مواضع:
أولها: الطاعة، قال الله تبارك وتعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء ٨٠] وقال عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [آل عمران ٣٢] وآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد ٧] فجمع بينهما بواو العطف المشركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في حق غيره صلى الله عليه وسلم.
ففي سنن أبي داود عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن