وتعقب القرطبي بأن كون هذا الفعل من خلوة لا يصلح مانعا من الاقتداء، لأن أهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة.
وقال الحافظ دعوى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها، إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والله تعالى أعلم.
[الخامسة:]
وبإباحة الصلاة بعد العصر.
روى أبو داود عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال» .
وروى مسلم والبيهقي عن أبي سلمة أنه سأل عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر، ثم أنه شغل عنهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان بسند صحيح عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها قال:«قدم خالد فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد العصر فصليتهما الآن» ، قلت:
يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتنا؟ قال:«لا» ، وروى الشيخان عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، ثم رأته يصليهما، فأرسلت تساله، فلما انصرف قال:«يا بنت بني أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» .
فصريح هذه الأحاديث ناطق بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر، وقد نهى عن الصلاة في ذلك الوقت، وقد كان ابن عباس يضرب الناس مع عمر بن الخطاب على فعلهما.
كما رواه الشيخان.
وصرح حديث أم سلمة بأنهما الركعتان بعد الظهر، قضاهما في أول نوبة، وواظب على فعلهما في قول عائشة- رضي الله تعالى عنها- ما تركها حتى لحق بالله تعالى وقولها: لم يكن يدعهما. مرادها من تأخير الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر. ولم يرد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة، ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه.
وقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- كان يصليهما قبل العصر يعني في وقت الظهر، لأنهما راتبة الظّهر ويصليها بعدها، كما في حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها- وليس المراد قبل العصر بعد دخول وقت العصر.