قال ابن إسحاق: فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب، وهم: أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد قيس الزرقي، وعبادة بن الصامت، والعباس بن عبادة بن نضلة- بالنون والضاد المعجمة- وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وعوف بن الحارث- بالفاء- ابن رفاعة، وعويم بن ساعدة، ومالك بن التيهان- بمثناة تحتية مخفّفة عند أهل الحجاز وعند غيرهم بتشديدها- ومعوّذ- بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فواو مكسورة مشدّدة فذال معجمة- ابن الحارث، أخو عوف السابق، ويزيد بن ثعلبة أبو عبد الرحمن البلوي حليف لهم. فبايع هؤلاء على بيعة النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الشيخان والبيهقي، واللفظ له عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:«بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض علينا الحرب، على ألّا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف.
قال: «فمن وفى ذلك منكم فأجره على الله» . وفي لفظ:«فله الجنة» ، «ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفّارة وطهور، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذّب وإن شاء غفر» .
فبايعناه على ذلك.
قال ابن إسحاق:«فلما انصرف القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ» . وذكر ابن إسحاق في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مصعبا حين كتبوا إليه ببعثه إليهم، وهو الذي ذكره [موسى] بن عقبة إلا أنه جعل المرّة الثانية هي الأولى. قال البيهقي:«وسياق ابن إسحاق أتمّ» . قال ابن إسحاق:«وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرئهم القرآن ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم في الدين، فكان يسمى في المدينة المقرئ والقارئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة [بن عدس أبي أمامة] ، وذلك أن الأوس كره بعضهم أن يؤمّه بعض. وقوله «على بيعة النساء» يعني على وفق ما نزلت عليه بيعة النساء بعد ذلك عام الحديبية، وكان هذا مما نزل على وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة، وليس هذا بعجيب فإن القرآن نزل بموافقات عمر بن الخطاب. «تنبيه» : ذكروا هنا أن أسعد بن زرارة أول من جمع بالصحابة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على ذلك في الخصائص أن شاء الله تعالى.