والأحاديث، والآثار المسندة الخارجة عن الحصر والتعداد، وآحادها وإن لم تتوافر فالمجموع يفيده القطع بلا إشكال.
أما الكتاب فقصة أهل الكهف، وقصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام، وقصة ذي القرنين، وما أخبر الله في مريم بقوله: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران ٣٧] قال ابن عباس وغيره: وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وقوله تعالى:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم ٢٥] وقصة آصف بن برخيا عليه السلام مع سليمان عليه السلام في إحضاره عرش بلقيس قبل ارتداد الطرف، كما قال عز وجل: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل ٤٠] وأما السنة
فقد روى الشيخان من حديث جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر ابن الخطاب رضي الله عنه» .
واحتجت المعتزلة بأن الخوارق لو ظهرت على يد غير الأنبياء لالتبس النبي بالمتنبئ، لأن تمييز الأنبياء عن غيرهم إنما هو بسبب ظهور خوارق العادات منهم، إذ الأمة تشاركهم في الإنسانية ولوازمها، ولولا ظهور المعجزة منهم لما تميزوا عن غيرهم فلو جاز أن يظهر الخارق للعادة على غيرهم لالتبس النبي بالمتنبئ، والجواب: لا نسلم حصول اللبس، بل يتميز النبي بالتّحدّي، ودعوى النبوة هنا هو الفرق بين المعجزة والكرامة، واختلف في تجويز الكرامات على حكم الاختيار، شرط الكرامة صدورها بلا اختيار من الولي، وأن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه، قال إمام الحرمين في الإرشاد: وهذا غير صحيح قال: وصار صائرون إلى جواز وقوعها اختيارا، ومنع وقوعها على قضية الدعوى، ورأوا أن الدعوى هي الفرق بينها وبين المعجزة، وهذه الطريقة غير مرضية أيضاً، وصار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، وقلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى وإلى غير ذلك، وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً، والمرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات، وفي «رسالة القشيري» اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء بضرورة أو شبه ضرورة فمنها حصول إنسان من غير أبوين، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا، وأمثال هذا كثير وشرط الكرامة أن يصحب صاحبها (السر) من الله تعالى وإلا فهو ناقص مغرور وهالك مقبور.
وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها، وإنما تدل على صدقه وفضله، وقد تكون لقوة يقين صاحبها، وإنما الأفضلية بقوة اليقين، وكمال المعرفة، ولهذا قال أستاذ هذه الطريقة