وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي
لا تحسبنّ الله خاذل دينه ... ونبيّه يا معشر الأحزاب
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشّعر يشكّ فيها لعلي رضي الله عنه.
ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجهه يتهلّل، ولم يكن للعرب درع خير من درعه، ولم يستلبه لأنه اتّقاه بسوءته، فاستحياه، وخرجت خيولهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق. قال ابن هشام: وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو. فقال حسان بن ثابت في ذلك:
فرّ وألقى لنا رمحه ... لعلّك عكرم لم تفعل
وولّيت تعدو كعدو الظّليم ... ما إن تجور عن المعدل
ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأنّ قفاك قفا فرعل
ورجع المشركون هاربين، وخرج في آثارهم الزبير بن العوام وعمر بن الخطاب فناوشوهم ساعة، وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف حتى شقّه باثنين، وقطع أبدوج سرجه، حتى خلص إلى كاهل الفرس، فقيل: يا أبا عبد الله ما رأينا مثل سيفك، فقال: والله ما هو السيف، ولكنها الساعد.
وحمل الزّبير أيضا على هبيرة بن أبي وهب فضرب ثفر فرسه، فقطع ثفره، وسقطت درع كان محقبها الفرس، فأخذها الزّبير، فلما رجعوا إلى أبي سفيان قالوا: هذا يوم لم يكن لنا فيه شيء فارجعوا.
قال الحاكم: سمعت الأصمّ، قال: سمعت العطارديّ، وقال: سمعت الحافظ يحيى بن آدم يقول: ما شبّهت قتل عليّ عمرا إلا بقوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة ٢٥١] .
قال ابن إسحاق، كما رواه البيهقي عنه: وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشترون جيفة عمرو بن عبد ودّ بعشرة آلاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لكم لا نأكل ثمن الموتى» [ (١) ] .
وروى الإمام أحمد والتّرمذيّ والبيهقي عن ابن عباس قال: قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده، ونعطيكم اثني عشر ألفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير في جيفته ولا في ثمنه، ادفعوه إليهم فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدّية» ، فلم يقبل منهم شيئا.
[ (١) ] انظر البداية والنهاية ٤/ ١٠٧.