الخندق وسلع، وخرج نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثّغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ودّ قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، وارتثّ فلم يشهد أحدا، فحرّم الدّهن حتى يثأر من محمد وأصحابه، وهو يومئذ كبير. قال ابن سعد: إنه بلغ تسعين سنة، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم المسمّين،
فلما كان يوم الخندق خرج ثائر الرأس معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله دعا إلى البراز، فقام علي بن أبي طالب، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه سيفه وعمّمه، وقال:
«اللهمّ أعنه عليه» ، فمشى إليه وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة ... والصّدق من خير الغرائز
إني لأرجو أن أقي ... م عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز
ثم قال له: يا عمرو إنك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلتها، قال: أجل، فقال على: فإني أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتسلم لرب العالمين، قال: يا بن أخي أخّر عنّي هذه، قال: وأخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمد صادقا كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذبا كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تحدّث به نساء قريش أبدا، وقد نذرت ما نذرت، وحرّمت الدّهن، قال: فالثالثة؟ قال:
البراز. فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، فمن أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يا بن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي رضي الله عنه: لكنّي والله لا أكره أن أهريق دمك.
فغضب عمرو، فنزل عن فرسه وعقرها، وسلّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو عليّ مغضبا، واستقبله عليّ بدرقته، ودنا أحدهما من الآخر وثارت بينهما غبرة، فضربه عمرو فاتّقى عليّ الضّربة بالدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجّه.
قال البلاذريّ: ويقال: إن عليّا لم يجرح قطّ وضربه عليّ على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج، وقيل: طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقّه، فسقط. وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أنّ عليّا قد قتله.
فثمّ علي رضي الله عنه يقول:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت ربّ محمّد بصوابي
فصدرت حين تركته متجدّلا ... كالجذع بين دكادك وروابي