فيقدّر مبتدأ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها بعد، لما كان فيها من الجولة، والمراد: فارس والرّوم قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها علم إنها ستكون لكم وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لأن قدرته دائمة لا تختصّ بشيء دون شيء وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالحديبية ولم يصالحوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ لانهزموا ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحرسهم وَلا نَصِيراً ينصرهم سُنَّةَ اللَّهِ مصدر مؤكَّد بمضمون الجملة قبله من هزيمة الكافرين ونصر المؤمنين، أي سنّ الله- تعالى- ذلك سنّة الَّتِي قَدْ خَلَتْ مضت في الأمم كما قال- تعالى- لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة ٢١] مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا تغييرا منه وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ أي كفار مكة وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ بالحديبية مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ فإن ثمانين طافوا بعسكركم ليصيبوا منكم غرّة فأخذوا، فأتى بهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعفا عنهم، وخلّى سبيلهم، فكان ذلك سبب الصّلح وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من مقاتلتهم، وقرأ أبو عمرو بالتحتية بَصِيراً فيجازيهم عليه هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ عن الوصول إليه وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً عليكم، معكوفا: محبوسا، حال أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ موجودون بمكة مع الكفار لَمْ تَعْلَمُوهُمْ بصفة الإيمان أَنْ تَطَؤُهُمْ تقتلوهم مع الكفار لو أذن لكم في الفتح، بدل اشتمال فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ من جهتهم مَعَرَّةٌ مكروه، بوجوب الدّية، أو الكفارة بقتلهم، أو التأسف عليهم، أو غير ذلك بِغَيْرِ عِلْمٍ منكم به، وضمائر الغيبة به للصنفين بتغليب الذكور، وجواب لولا محذوف أي لأذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ كالمؤمنين المذكورين لَوْ تَزَيَّلُوا تميزوا عن الكفار لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها عَذاباً أَلِيماً مؤلماً إِذْ جَعَلَ متعلق بِعذَّبنا الَّذِينَ كَفَرُوا فاعل فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الأنفة من الشيء حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من حميّة، وهي صدّهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن المسجد الحرام فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فصالحوهم، على أن هذا يعود من قابل، ولم يلحقهم من الحميّة ما لحق الكفّار حتّى يقاتلوهم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها وَكانُوا أَحَقَّ بِها من الكفار وَأَهْلَها عطف تفسير وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أي لم يزل متّصفا بذلك، ومن معلومه تعالى أن المؤمنين أهلها لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في النوم عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، فلّما خرجوا معه وصدّهم الكفّار بالحديبية ورجعوا، وشقّ عليهم ذلك، وراب بعض المنافقين