فقال مفروق وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو اللَّه ما سمعت كلاما أحسن من هذا.
فتلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأَنعام ١٥١] .
فقال مفروق: دعوت- واللَّه- إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذّبوك وظاهروا عليك.
ثم رد الأمر إلى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا.
فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش وإني أرى تركنا ديننا وإتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول له ولا آخر لذلّ في الرأي وقلة نظر في العاقبة، إن الزلّة مع العجلة وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر.
ثم كأنه أحب أن يشركه المثنّى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا.
فقال المثنّى- وأسلم بعد ذلك- قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا نزلنا بين صريين: أحدهما اليمامة والآخر السمامة.
فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هذان الصريان؟ قال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكرهه الملوك، فأن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق. وإن دين اللَّه عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم اللَّه تعالى أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتستحبّون اللَّه تعالى وتقدّسونه؟
فقال النعمان: اللهم فلك ذاك.
فتلا عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [الأحزاب ٤٥] .