ديار الّتي كانت ونحن على منى ... تحلّ بنا لولا نجاء الرّكائب [ (١) ]
أي تحلنا فالباء هنا للتعدية، ولم تقتض المشاركة لأن الديار لم تكن حراما فتصير حلالا، ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما، فلا يقال أذهبت بزيد.
وجزم ابن دحية- بفتح الدال وكسرها- وابن المنير، بما قاله المبرّد فقالا: «يؤخذ من قوله: «أسرى بعبده» ما لا يؤخذ إن قيل: بعث إلى عبده، لأن الباء تفيد المصاحبة، أي صحبه في مسراه بالإلطاف والعناية والإسعاف» . زاد ابن دحية: «ويشهد لذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الصاحب في السفر» .
ويؤخذ من ذلك أن من قال: لله علي إن أحجّ بفلان، يلزمه الحجّ معه، بخلاف ما لو قال: لله علي إن أحجّ فلانا، فإنه يلزمه أن يجهّزه للحج من ماله. والفرق بين الصورتين ما تعطيه الباء من المصاحبة» . انتهى. وتقدم ردّ ذلك.
الحافظ: «أسرى مأخوذ من السّرى وهو سير الليل، فقول العرب أسرى وسرى إذا سار ليلا، هذا قول الأكثر» .
وقال الحوفي: أسرى سار ليلا، وسرى سار نهارا» .
قال الحافظ في موضع آخر: «وقيل أسرى سار من أول الليل، وسرى سار من آخره» وهذا أقرب. ولم يختلف القراء في أسرى، بخلاف قوله تعالى في قصة لوط: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ [هود ٨١] . فقرئت بالوصل والقطع، وفيه تعقيب على من قال من أهل اللغة: أن أسرى وسرى بمعنى.
قال السهيلي: «السّرى من سريت إذا سرت ليلا، يعني فهو لازم. والإسراء يتعدى في المعنى، لكن حذف مفعوله حتى ظنّ من ظنّ أنهما بمعنى واحد، وإنما معنى «أسرى بعبده» ، جعل البراق يسري به، كما تقول: أمضيت كذا أي جعلته يمضي، لكن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه، والاستغناء عن ذكره، إذ المقصود بالذكر المصطفي لا الدابة التي سارت به.
وأما قصة لوط فالمعنى: سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها، هذا معنى قراءة القطع. ومعنى الوصل: سر بهم ليلا، ولم يأت مثل ذلك في الإسراء، إلا أنه لا يجوز أن يقال:
«سرى بعبده» بوجه من الوجوه» .
قال الحافظ والنسفي: «الذي جزم به هو من هذه الحيثية التي قصر فيها الإشارة إلى أنه سار ليلا على البراق. والآن لو قال قائل: سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا.
[ (١) ] البيت لقيس بن الخطيم انظر اللّسان ١/ ٩٧٢.