للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأستاذ أبو علي الدقاق [ (١) ] رحمه الله تعالى: «ليس للمؤمن صفة أتمّ ولا أشرف من العبودية، ولهذا أطلقها الله تعالى علي نبيه في أشرف المواطن، كقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء ١] ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف ١] ، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

[النجم ١٠] ، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ [الفرقان ١] .

الشيخ عبد الباسط البلقيني رحمه الله: «ومن هنا يؤخذ الجواب عن وصفه صلى الله عليه وسلّم بذلك ووصف يحيى عليه السلام بالسيادة في قوله تعالى: وَسَيِّداً، وَحَصُوراً [آل عمران ٣٩] .

الأستاذ أبو القاسم القشيري [ (٢) ] رحمه الله: «في معناه أنشدوا:

يا قوم قلبي عند زهراء ... يعرفه السّامع والرّائي

لا تدعني إلّا بيا عبدها ... فإنّه أشرف أسمائي»

العوفي رحمه الله: «والسبب في ذلك أن الإلهية والسيادة والربوبية إنما هي في الحقيقة لله عز وجل لا غير. والعبودية في الحقيقة لمن دونه. فإذا كان في مقام العبودية فهو في رتبته الحقيقية، والرتبة الحقيقة أشرف المراتب إذ ليس بعد الحقيقة إلا المجاز، ولا بعد الحق إلا الضلال» .

البرهان النسفي رحمه الله: «قيل لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعراج، أوحى الله تعالى إليه: يا محمد أشرفك؟. قال: يا رب تنسبني إلى نفسك بالعبودية، فانزل الله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ الآية.

وأقوال القوم في العبد والعبودية كثيرة، والألفاظ مختلفة معانيها، وكل أحد يتكلم


[ (١) ] الحسين بن علي بن محمد، الأستاذ أبو الدقاق النيسابوري، الزاهد العارف، شيخ الصوفية. تفقه بمرو عند الخصري، وأعاد عند القفال وبرع في الفقه، ثم سلك طريق الصوفية، وصحب الأستاذ أبا القاسم النصرآباذي، وأخذ الطريقة عنه، وزاد عليه حالا ومقالا، واشتهر ذكره في الآفاق، وانتفع به الخلق، ومنهم أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة، وحكى عنه أحوالا وكرامات. مات في ذي الحجة سنة ست وأربعمائة، وقيل: سنة خمس. انظر طبقات ابن قاضي شهبة ١/ ١٧٨.
[ (٢) ] عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، الأستاذ أبو القاسم القشيري النيسابوري. أحد العلماء بالشريعة والحقيقة. أخذ الطريقة عن الشيخ أبي على الدقاق وأبي عبد الرحمن السلمي، ودرس الفقه على أبي بكر الطوسي حتى فرغ من التعليق وقرأ الكلام على أبي بكر بن فورك وأبي إسحاق الاسفراييني وبرع في ذلك، وحج مع البيهقي وأبي محمد الجويني. ذكره الخطيب البغدادي ومات قبله، وقال: كتبنا عنه وكان ثقة، وكان يقص، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري والفروع على مذهب الشافعي. وقال ابن السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة. وقال ابن خلكان: صنف أبو القاسم التفسير الكبير، وهو من أجود التفاسير، وصنف الرسالة في رجال الطريقة، وذكر له الذهبي مصنفات أخر. ولد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وتوفي في ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة عن تسع وثمانين سنة، ودفن إلى جانب أستاذه أبي علي بالمدرسة. ابن قاضي شهبة ١١/ ٢٥٤.