حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس في ليلة. وإذا صحّ خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكر» . انتهى.
وقيل: ليحصل له العروج مستويا من غير تعويج لما روي عن كعب أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل باب بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
الحافظ:«وفيه نظر. وقيل ليجمع بين القبلتين، لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أسباب الفضائل. وقيل لأنه محل الحشر، فأراد الله تعالى أن تطأه قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدميه. وقيل أراد الله سبحانه وتعالى أن يريه القبلة التي صلى إليها مدة، كما عرفت الكعبة التي صلى إليها.
وقيل لأنه مجمع أرواح الأنبياء فأراد الله تعالى أن يشرّفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم. وقيل لتفاؤل حصول التقدير له حساّ ومعنى.
ابن دحية: «ويحتمل أن يكون الحق سبحانه وتعالى أراد ألّا يخلي تربة فاضلة من مشهده ووطء قدميه، فتمّم تقديس بيت المقدس بصلاة سيدنا محمد فيه. فلما تمم تقديسه به، أخبر صلى الله عليه وسلم أنه: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام لأنه مولده ومسقط رأسه وموضع نبوّته، ومسجد المدينة، لأنه محل هجرته وأرض تربته، والمسجد الأقصى، لأنه موضع معراجه صلى الله عليه وسلم» .
رموز الكنوز:«فإن قيل الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، فهلّا أخبرهم تعالى بعروجه إلى السماء؟ قلت: استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء أولا، فلما ظهرت أمارات صدقه، وصحّت لهم براهين رسالته، واستأنسوا بتلك الآية الخارقة، أخبرهم بما هو أعظم منها وهو المعراج، فحدّثهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى سورة النّجم» .
الإمام الرازي والبرهان:«اعلم أن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية فمدلول قوله تعالى: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أنه وصل إلى ذلك المسجد، ولا دلالة في اللفظ على أنه دخل» .
قلت: قال المحققون: إذا كانت «إلى» لانتهاء الغاية، فإن دلّت قرينة على دخول ما بعدها عمل بها، نحو قرأت القرآن من أوله إلى آخره. فالقرينة هنا ذكر الآخر وجعله غاية. وقيل القرينة هي كون الكلام مسبوقا لحفظ القرآن كله، وذلك مناف لخروج الغاية، فتعيّن دخولها، أو دلّت القرينة على خروج ما بعدها عمل بها نحو: أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:
١٨٧] . والقرينة في آية الإسراء العلم لا يسرى به إلى البيت المقدس ولا يدخله وصرّحت السّنّة الصحيحة بما اقتضته القرينة من دخوله صلّى الله عليه وسلم بيت المقدس.