للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأيمان في سورتين منها أقسم لإثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه رسولا في إحداهما بأمر، وهو قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [النجم: ١، ٢] . وفي الثانية بأمرين وهو قوله تبارك وتعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [الضحى: ١، ٢، ٣] وذلك لأن القسم على إثبات رسالته قد كثر بالحروف والقرآن العظيم، كما في قوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس: ١، ٢، ٣] . وقد ذكرنا الحكم فيه أن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فأقسم به ليكون في القسم إشارة واقعة إلى البرهان. وفي باقي السّور كان المقسم عليه الحشر والجزاء، وما يتعلق به يكون إنكارهم في ذلك خارجاً عن الحد، وعدم استيفاء ذلك في سور القسم بالحروف.

وأقسم تعالى بمجموع السلامة المؤنثة في خمس سور، ولم يقسم بمجموع السلامة المذكرة في سورة أصلا. فقال وَالصَّافَّاتِ [الصافات: ١] ، وَالذَّارِياتِ [الذاريات: ١] ، ولم يقل «والصالحين من عبادي» ، ولا المقربين، إلى غير ذلك، مع أن الذكور أشرف وذلك لأن المجموع بالواو والنون في الأمر الغالب، لمن يعقل.

وقد ذكرنا أن القسم بهذه الأشياء ليس لبيان التوحيد إلا في صورة ظهر الأمر فيه، وحصل الاعتراف منهم، ولا للرسالة لحصول ذلك في سورة القسم بالحروف والقرآن، بقي أن يكون المقصود إثبات الحشر والجزاء، لكن إثبات الحشر لثواب الصالح وعقاب الطالح، ففائدة ذلك راجعة إلى من يعقل فيلزم أن يكون القسم بغيرهم. والسّور التي أقسم فيها لإثبات الوحدانية أقسم في أول الأمر بالساكنات حيث قال: وَالصَّافَّاتِ وفي السّور الأربع الباقية أقسم بالمتحركات فقال: وَالذَّارِياتِ، وَالْمُرْسَلاتِ [المرسلات: ١] ، والنَّازِعاتِ [النازعات: ١] وَالْعادِياتِ، وذلك لأن الحشر فيه جمع وتفريق، وذلك بالحركة أليق. وفي السور الأربع أقسم بالرياح على ما بين، وهي التي تجمع وتفرّق، فالقادر على تأليف السحاب المتفرق بالرياح الذارية والمرسلة قادر على تأليف الأجزاء المتفرقة بطريق من الطرق التي يختارها بمشيئته تبارك وتعالى» .

وقال الإمام أيضا في موضع آخر: «اعلم أنه تعالى لم يقسم على الوحدانية ولا على النبوة كثيرا، لأنه أقسم على الوحدانية في سورة الصافات، وأما النبوة فأقسم عليها بأمر واحد في هذه السورة، وبأمرين في سورة «والضحى» ، وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به.

فإن قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: ١] وقوله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها [الشمس:

١] وقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج: ١] ، إلى غير ذلك، كلها في الحشر وما يتعلق به، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة، كلها عقلية كما قيل: