للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظاهر قوله في رواية آدم: «تعرض عليه أرواح ذرّيته» إلى آخره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء. قال القاضي: «وهو مشكل، فقد جاء أن أرواح المؤمنين منعّمة في الجنة وأن أرواح الكفّار في سجّين، فكيف تكون مجتمعة في السماء؟ وأجاب بأنه يحتمل أنها تعرض أوقاتا فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن كونهم في النار في أوقات دون أوقات قوله تعالى: النَّارُ، يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا، [غافر: ٤٦] واعترض بأن أرواح الكفار لا تفتح لهم أبواب السماء كما هو نص القرآن» ، والجواب ما أبداه القاضي احتمالا أن الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار كانت في جهة شماله وكان يكشف له عنهما.

وقال الحافظ: «ويحتمل أن النّسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلم بما سيصيرون إليه فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من على يمينه ويحزن إذا نظر إلى من على يساره، بخلاف التي في الأجساد فليست مرادة قطعا وبخلاف التي نقلت من الأجساد إلى مستقرها من الجنة أو النار فليست مرادة أيضا فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد، ويعرف أن قوله: «نسم بنيه» عام مخصوص أو أريد به الخصوص» . انتهى.

وقال في الفتح في باب المعراج: «وظهر لي الآن احتمال آخر وهو أن يكون المراد من «خرجت من الأجساد لا أنها مستقرة ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا أن تفتح لها أبواب السماء ولا أن تلجها، ويؤيد هذا ما رواه ابن إسحاق: فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيّبة ونفس طيّبة اجعلوها في عليّين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجّار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجّين. وفي حديث أبي هريرة: فإذا عن يمينه باب بخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، فهذا لو صحّ لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم ولكن سنده ضعيف وظاهرها عدم اللزوم المتقدم» انتهى.

وقال السهيلي: «فإن قيل كيف رأى عن يمينه أصحاب اليمين؟ ولم يكن إذا ذاك منهم إلا نفر قليل، ولعله لم يكن مات تلك الليلة منهم أحد، وظاهر الحديث يقتضي أنهم كانوا جماعة، والجواب أن يقال: إن كان الإسراء رؤيا بقلبه فتأويلها أن ذلك سيكون وإن كانت رؤيا عين فمعناها أن أرواح المؤمنين رآها هنالك لأن الله يتوفّى الخلق في منامهم كما قال في التنزيل اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر: ٤٢] «فصعد بالأرواح إلى هنالك ثم أعيدت إلى أجسادها» .

وقال ابن دحية: «فإن قيل: كيف تكون نسم السّعداء كلهم في السماء، وقد كان حين الإسراء جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في الأرض وهم من السعداء؟ فالجواب: أن آدم