للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء تخلّقه لمّا يفرغ من تصويره وإجراء الروح.

وقال الحافظ أبو الفرج ابن رجب [ (١) ] رحمه الله تعالى في اللطائف: المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله تعالى ويخرجه إلى دار الدنيا حيّاً، وأن ذلك كان مكتوباً في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم صلى الله عليه وسلّم، وفسّر أمّ الكتاب باللّوح المحفوظ وبالذّكر في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سأل عن أمّ الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون، فقال لعلمه كن كتاباً. فكان كتاباً.

ولا ريب أن علم الله تعالى قديم أزلي لم يزل عالماً بما يحدثه من خلقه، ثم إن الله تعالى كتب ذلك عنده في كتاب عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

وفي صحيح البخاري [ (٢) ] عن عمران بن حصين [ (٣) ] رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كلّ شيء، ثم خلق السماوات والأرض»

[ (٤) ] .

وقوله في هذا الحديث:

«إني عند الله في أم الكتاب»

ليس المراد به- والله أعلم- أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين وإنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوباً في أم الكتاب في ذلك الحال قبل نفخ الروح في آدم وهو أول ما خلق الله تعالى من النوع الإنساني.

وجاء في أحاديث أخر أنه في تلك الحالة وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة. وهذه مرتبة ثالثة وهو


[ (١) ] عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السّلامي البغدادي ثم الدمشقي، أبو الفرج، زين الدين: حافظ للحديث، من العلماء.
ولد في بغداد ونشأ وتوفي في دمشق. من كتبه «شرح جامع الترمذي» و «جامع العلوم والحكم» و «فضائل الشام- خ» و «الاستخراج لأحكام الخراج» و «القواعد الفقهية» و «لطائف المعارف» و «فتح الباري، شرح صحيح البخاري» لم يتمه، و «ذيل طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى» و «الاقتباس من مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلّم لابن عباس» و «أهوال القبور» و «كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة- ط» وغير ذلك توفي سنة ٧٩٥ هـ. الأعلام ٣/ ٢٩٥.
[ (٢) ] محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا، ثقة الحديث، من الحادية عشرة، مات سنة ست وخمسين، في شوال، وله اثنتان وستون سنة التقريب ٢/ ١٤٤.
[ (٣) ] عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد، أسلم عام خيبر، وصحب، وكان فاضلا، مات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة. التقريب ٢/ ٨٢.
[ (٤) ] أخرجه البخاري ٤/ ٢٢٢، كتاب بدء الخلق باب في قول الله تعالى وَهُوَ الَّذِي (٣١٩١) .