للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: قال الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين السبكي قدس الله تعالى روحه: لم يصب من فسرّ قوله صلى الله عليه وسلم:

«كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد»

[بأنه] سيصير نبيّاً، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلّم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير إليه في المستقبل لم تكن له خصوصية بأنه نبيّ وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلّم لأجلها اخبر أمته الخبر إعلاماً لأمته، ليعرفوا قدره عند الله تعالى ثم قال: فإن قلت: النبوة وصف لازم أن يكون الموصوف به موجوداً، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك؟.

قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الإشارة بقوله:

«كنت نبيا»

إلى روحه الشريفة أو إلى حقيقة من الحقائق، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعلمها خالقها ومن أمده الله تعالى بنور إلهي، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها، مهيّأة لذلك فأفاضه عليه من ذلك الوقت فصار نبيّاً وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة في ذلك الوقت وإن تأخّر جسده الشريف المتّصف بها.

واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة المضافة عليه من الحضرة الإلهية إنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلّم وحقيقته معجّل لا تأخر فيه، وكذا استنباؤه وإيتاؤه الحكم والنبوة، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقّله إلى أن ظهر صلى الله عليه وسلّم. انتهى ملخصا.

وأثر كعب السابق أول الباب الأول يؤيد ما قاله.

وقال بعض العارفين: لما خلق الله الأرواح المدبّرة للأجسام عند وجود حركة الفلك أول ما خلق الله الزمان بحركة، كان أول ما خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صدرت الأرواح عن الحركات الفلكية [ (١) ] فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه بالنبوة وآدم


[ (-) ] الأذرعي وتخرج بمغلطاي في الحديث، وسمع الحديث بدمشق وغيرها. قال بعض المؤرخين: كان فقيها أصوليا، أديبا، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى، توفي في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة. انظر ابن قاضي شهبة ٣/ ١٦٧، ١٦٨.
[ (١) ] هذا الكلام لا دليل عليه وهذه مجرد دعوى جاء العلم ببطلانها.