فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟
قالت: أريد هذين المحبوسين. تعنيهما، فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسوّر عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال لسيفه: ذو المروة، لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت إصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت؟ ... وفي سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابع المهاجرون أرسالا فنزل طلحة بن عبيد الله وصهيب بن سنان على خبيب- بضم الخاء المعجمة وفتح الوحدة- ابن إساف- بكسر الهمزة- بالسّنح ويقال: بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة.
وروى ابن سعد عن سعيد بن المسيّب أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفّار قريش:
أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك والله لا يكون ذلك. فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم.
قال: فإني جعلت لكم مالي.
قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ربح صهيب ربح صهيب» [ (١) ] .
قال ابن سعد: لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا فنزلوا في الأنصار في دورهم وآووهم ونصروهم وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤمّ المهاجرين بقباء قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلّف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما.
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له:«لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا» .
فيطمع أبو بكر أن يكونه.
قال ابن سعد: وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الآخرة، ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدم أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريون وهم: ذكوان بن عبد قيس [بن خلدة الزّرقي] ، وعقبة بن وهب بن كلدة والعبّاس [ابن عبادة] بن نضلة وزياد بن لبيد [بن ثعلبة الخزرجي البياضي] .
[ (١) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات ٣/ ١/ ٦٢ وذكره ابن حجر في المطالب (٤٠٦٣) .