للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهم أبو جهل بن هشام فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟» فقلت «والله لا أدري أين أبي» . فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدّي لطمة خرج منها قرطي، ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاثة أيام ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى رجل من الجن من أسفل مكة يتغنّى بأبيات من شعر غناء العرب وتبعه الناس يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:

جزى الله ربّ النّاس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد

هما نزلا بالبرّ وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمّد

فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسودد

ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنّكم إن تسألوا الشّاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... له بصريح ضرّة الشّاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثمّ مورد [ (١) ]

فلما سمع ذلك حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال يجاوب الهاتف:

لقد خاب قوم غاب عنهم نبيّهم ... وقدّس من يسري إليه ويغتدي

ترحّل عن قوم فضلّت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد

هداهم به بعد الضلالة ربّهم ... وأرشدهم من يتبع الحقّ يرشد

وهل يستوي ضلّال قوم تسفّهوا ... عمّى وهداة يهتدون بمهتد

لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلّت عليهم بأسعد

نبيّ يرى ما لا يرى النّاس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد

وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

ليهن أبا بكر سعادة جدّه ... بصحبته من يسعد الله يسعد [ (٢) ]

وروى البيهقي بسند حسّنه والحافظ ابن كثير عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فانتهينا إلى حيّ من أحياء العرب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد فعليكما بعظيم الحيّ إن أردتم القرى. قال: فلم نجبها، وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها. فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنزة والشفرة إلى هذين الرجلين


[ (١) ] الأبيات في الروض الأنف ٢/ ٢٣٤ وديوان حسان ص ٥٩.
[ (٢) ] القصيدة في الروض الأنف ٢/ ٢٣٥ وانظر ديوان حسان ص ٥٩، ٦٠.