للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكم، خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» ، واعترضه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، من بني بياضة، فقالا: «يا رسول الله هلمّ إلى المواساة والعزّ والثروة والعدد والقوة، نحن أهل الدرك يا رسول الله» ، فقال رسول الله: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» . وفي حديث البراء فقال: «إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك» . ثم مرّ ببني عدي بن النجار وهم أخواله فقام أبو سليط وصرمة بن أبي أنس في قومهما فقالا: «يا رسول الله نحن أخوالك هلمّ إلى العدد والمنعة والقوة مع القرابة، لا تجاوزنا إلى غيرنا يا رسول الله، ليس أحد من قومنا أولى بك منا لقرابتنا بك» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» .

فسار حتى إذا أتت دار بني عدي بن النّجّار قامت إليه وجوههم، ثم مضى حتى انتهى إلي باب المسجد، فبركت راحلته على باب مسجده صلّى الله عليه وسلم وذكر الأقشهري في روضته عن ابن نافع صاحب مالك في أثناء كلام نقله عن مالك أن «ناقته صلى الله عليه وسلم لما أتت موضع مسجده بركت وهو عليها وأخذه الذي كان يأخذه عند الوحي» . ثم وثبت فسارت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ثم تلحلحت وأرزمت، ووضعت جرانها. وجعل جبّار بن صخر ينخسها رجاء أن تقوم فتنزل في دار بني سلمة فلم تفعل. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: «هنا المنزل إن شاء الله» وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [المؤمنون ٢٩] وجاء أبو أيوب فكلّموه في النزول عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي بيوت أهلنا أقرب» ؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي وقد حططنا رحلك فيها. قال: «فانطلق فهيّئ لنا مقيلا» [ (١) ] ، فذهب فهيّأ لهما مقيلا. وروى الطبراني عن عبد الله بن الزبير أنه كان هناك عريش يرشّونه ويعمرونه ويبتردون فيه حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فأوى إلى الظّلّ فنزل فيه فأتاه أبو أيوب الأنصاري فقال: يا رسول الله منزلي أقرب المنازل إليه فانقل رحلك. قال: «نعم» ، فذهب برحله إلى المنزل، فأتاه آخر فقال: يا رسول الله أنزل على، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«المرء مع رحله حيث كان» ، فمضت مثلا فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل أبي أيوب وقرّ قراره واطمأنّت داره ونزل معه زيد بن حارثة

[ (٢) ] .

وذكر ابن سعد أن أسعد بن زرارة أخذ بزمام النّاقة فكانت عنده. وعند عائذ وسعيد بن منصور أن ناقته استناخت به أولا فجاءه ناس فقالوا: المنزل يا رسول الله، فقال: «دعوها» ، فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تلحلحت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب


[ (١) ] أخرجه البخاري ٥/ ٨٠ والبيهقي في الدلائل ٢/ ٢٤٩ وأبو نعيم في الدلائل (١١٤) .
[ (٢) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات ١/ ١/ ١٦٠.