ومن تأمّل كلام ابن شبّة في المنازل وغيرها لم يرتب في ذلك، ويوضحه ما رواه ابن إسحاق في غزوة الغابة قلت: وسيأتي سياقه فيها.
ثم قال السّيّد:«وكونها شاميّ المدينة لا يمنع كون هذه الأبيات أنشدت عند الهجرة
لأنه صلى الله عليه وسلم ركب ناقته وأرخى لها زمامها وقال: «دعوها فإنها مأمورة» ،
ومرّ بدور الأنصار كما سبق حتى مرّ ببني ساعدة، ودارهم شاميّ المدينة قرب ثنيّة الوداع، فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها. وقد عرج النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه من بدر إلى ثنيّة الوداع، كما ذكره ابن عقبة:[أنه صلى الله عليه وسلم سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع] قلت: فتحصّل من كلامه أن ثنيّة الوداع ليست من جهة مكة وإنما هي شاميّ المدينة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهتها في دخوله باطن المدينة، ولا حجّة لمن قال إنها من جهة مكة إلا ما سبق من قول الولائد:«طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع» ، وقد علمت ما فيه.
وروى البخاري عن السائب بن يزيد قال:«أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمه من تبوك» . قال الحافظ في فتح الباري:«أنكر الداودي هذا، وتبعه ابن القيّم وقال: ثنيّة الوداع من جهة مكة لا من جهة تبوك بل هي في مقابلها كالمشرق من المغرب إلا أن يكون هناك ثنيّة أخرى في تلك الجهة» . قال ابن حجر:«ولا يمنع كونها من جهة مكة أن يكون الخروج إلى الشام من جهتها. وهذا أوضح كما في دخول مكة من ثنية والخروج منها من أخرى، وينتهين كلهن إلى طريق واحدة» . قلت: وقد راجعت الهدي في غزوة تبوك فرأيته ذكر أن ثنية الوداع شاميّ المدينة كما نقله عنه صاحب القاموس والسّيّد لا كما نقله عنه الحافظ ولم يذكر في الهدي في الكلام على الهجرة شيئاً من ذلك.
«أضوأ» : أنور.
«المنعة» : بفتح النون يقال: فلان في منعة أي في عزّ من قومه فلا يقدر عليه من يريده.
«الثروة» : بفتح الثاء المثلثة: كثرة المال.
«البحيرة» : يأتي الكلام عليها في باب أسماء المدينة.
«قوقل» : بقاف مفتوحة فواو ساكنة فقاف مكسورة: أي سر حيث شئت فإنك آمن.
«رانوناء» : [وهو واد في المدينة صلى فيه النبي الجمعة] .
«على فترة من الرّسل» : أي على انقطاع بعثهم ودروس أعلام دينهم.