للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعقلون من شدة الحمى، فنظر إلى السماء

وقال: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة» -

وفي لفظ للجندي ورزين «وأشدّ» ، بالواو بدلا من «أو» -

«وصحّحها وبارك لنا في صاعها ومدّها، ثم انقل وباءها إلى مهيعة [ (١) ]- وهي الجحفة» ،

وإنه ليتقي شرب الماء من عينها التي يقال لها عين خمّ.

وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة ومحمد بن الحسن المخزومي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة.

وروى الزبير بن بكّار عن عروة بن الزبير مرسلا قال: «أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فجاء إنسان قدم من ناحية طريق مكة، فقال له: «هل لقيت أحدا» ؟ قال: لا يا رسول الله إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الشّعر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الحمّى ولن تعود بعد اليوم أبدا» .

وروى أيضا عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أصحابه، وقدم رجل فتزوج امرأة كانت مهاجرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: يا أيها الناس «إنما الأعمال بالنيات» - ثلاثا- «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يطلبها أو امرأة يخطبها فإنما هجرته إلى ما هاجر إليه» [ (٢) ] ، ثم رفع يديه وقال: «اللهم انقل عنا الوباء» - ثلاثا- فلما أصبح قال: أتيت الليلة بالحمّى فإذا عجوز سوداء ملبّبة في يدي الذي جاء بها فقال: هذه الحمّى فما ترى فيها؟ فقلت: «اجعلوها بخمّ» .

وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال: كان وباء المدينة معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئا فأشرف عليه إنسان فقيل له: انهق نهيق الحمار، فإذا فعل ذلك لم يضرّه، قال الشاعر:

لعمري لئن عشرت من خشية الردى ... نهيق الحمار إنّني لجزوع

قال هشام: وكان المولود إذا ولد بالجحفة لم يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمّى. وقال ابن إسحاق: وذكر ابن شهاب الزهري عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمّى المدينة حتى جهدوا مرضا، وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم حتى ما كانوا يصلون إلا وهم قعود، قال:

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلّون كذلك فقال لهم:

«اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم»

[ (٣) ] ، فتجشّم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماسا للفضل.


[ (١) ] أخرجه البخاري ٧/ ٣٠٨ (٣٩٢٦) .
[ (٢) ] أخرجه البخاري ١/ ٩ (١) ومسلم ٣/ ١٥١٥ (١٥٥- ١٩٠٧) .
[ (٣) ] أخرجه البخاري بنحوه ٢/ ٦٨٠ (١١١٥) وانظر البداية والنهاية ٣/ ٢٢٤.