للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لخلق الأنبياء منها ودفنهم بها. وقال النووي: «المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرض، أي ما عدا ما ضمّ الأعضاء الشريفة. وأجمعوا بعد على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد، واختلفوا فيهما، فذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض الصحابة وأكثر المدنيين، كما قال القاضي إلى تفضيل المدينة، وهو مذهب الإمام مالك، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، والخلاف في غير الكعبة الشريفة فهي أفضل من بقية المدينة اتفاقا. وإيراد حجج الفريقين ممّا يطول به الكتاب.

ويدل لما ذكر من أن النفس تخلق من تربة الدّفن ما رواه الحاكم وصححه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:

مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر، فقال: «قبر من هذا» ؟ فقالوا: قبر فلان الحبشيّ يا رسول الله. فقال: «لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التّربة التي منها خلق» .

وتقدم في أول باب من هذا الكتاب أثر كعب: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من القبضة التي أخذت من قبره الشريف» . وروى [يزيد الجريري قال: سمعت ابن سيرين يقول: «لو حلفت لحلفت صادقا باراّ غير شاكّ ولا مستثن أن الله تعالى ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا عمر إلا من طينة واحدة، ثم ردّهم إلى تلك الطينة» .

وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه، والطبراني والحاكم عن مطر بن عكامس- بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وكسر الميم فسين مهملة- والترمذي وصححه عن أبي عزّة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة» [ (١) ] .

قال الحكيم الترمذي: «إنما صار أجله هناك لأنه خلق من تلك البقعة وقد قال الله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه ٥٥] قال: فإنما يعاد المرء من حيث بدئ منه» .

وروى ابن الجوزي في الوفا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وسلّم اختلفوا في دفنه» فقال علي رضي الله عنه: «أنه ليس في الأرض بقعة أكرم على الله من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى الله عليه وسلم» .

وروى أبو يعلى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه» [ (٢) ] .

قال السيد: «وأحبّها إليه أحبّها إلى ربّه لأن حبّه تابع لحبّ ربّه. وما كان أحب إلى الله ورسوله كيف لا يكون أفضل؟ قال: ولهذا سلكت هذا المسلك في تفضيل المدينة فقد صحّ


[ (١) ] أخرجه الترمذي (٢١٤٦) وذكره العجلوني في كشف الخفا ١/ ٩٧ وزاد نسبته لعبد الله بن الإمام أحمد.
[ (٢) ] انظر البداية والنهاية ٥/ ٢٦٦.