وتملّك في ثامن عشر ذي القعدة من سنة سبع [وخمسين وستمائة] . وفي شهر رمضان من سنة ثمان أعز الله تعالى الإسلام على يده بوقعه عين جالوت. ثم قتل بعد الموقعة بشهر وهو داخل إلى القاهرة.
وكان العمل بالمسجد الشريف في تلك السنة من باب السّلام إلى باب الرحمة [المعروف قديما بباب عاتكة] ومن باب جبريل إلى باب النساء. وتولى مصر آخر تلك السنة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي البندقداري، فحصل منه اهتمام بأمر المسجد فجهّز الأخشاب والحديد والرصاص، ومن الصّنّاع ثلاثة وخمسين صانعا، وما يمونهم، وأنفق عليهم قبل سفرهم وأرسل معهم الأمير جمال الدين محسن الصالحي وغيره، ثم صار يمدّهم بما يحتاجون إليه من الآلات والنفقات. فعمل في أيامه باقي سقف المسجد كما كان قبل الحريق سقفا فوق سقف إلا السقف الشمالي فإنه جعل سقفا واحدا.
ولم يزل المسجد على ذلك حتى جدّد السّقف الشرقي والسّقف الغربي اللذان عن يمين صحن المسجد وشماله وذلك في سنتي خمس وست وسبعمائة في أوائل دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، فجعلا سقفا واحدا شبه السقف الشّمالي [أي سقف الدّكاك] . ثم في سنة تسع وعشرين وسبعمائة أمر الملك الناصر محمد المذكور بزيادة رواقين [في المسقّف القبلي] متصلين بمؤخّره فاتسع مسقّفه بهما وعمّ نفعهما. ثم حصل في هذين الرواقين خلل فجدّدهما الملك الأشرف برسباي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة من مال جوالي قبرص. وجدّد الأشرف أيضا شيئا من السقف الشامي [مما يلي المنارة السنجارية] .
ثم حصل خلل في سقف الروضة الشريفة وغيرها من سقف المسجد في دولة الظاهر جقمق، فجدّد ذلك في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. ثم جدّد السلطان الملك الأشرف قايتباي كثيرا من سقف المسجد، ثم احترق المسجد النبوي ثانيا في الثلث الأخير من ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، سنة ست وثمانين وثمانمائة، وذلك أن رئيس المؤذّنين وصدر المدرسين شمس الدين محمد بن الخطيب قام يهلّل حينئذ بالمنارة الشرقية اليمانية المعروفة بالرّيّسيّة، وصعد المؤذّنون بقيّة المنائر وقد تراكم الغيم وحصل رعد قاصف، فسقطت صاعقة أصاب بعضها هلال المنارة المذكورة فسقط شرقيّ المسجد لهب كالنار وانشقّ رأس المئذنة، وتوفي الرّيّس لحينه صعقا. وأصاب ما نزل من الصاعقة سقف المسجد الأعلى بين المنارة الرئسية وقبة الحجرة النبوية فثقبه ثقبا كالترس فعلقت النار فيه وفي السقف الأشفل، ففتحت أبواب المسجد ونودي بأن الحريق في المسجد.
فاجتمع أمير المدينة قسطل بن زهير الجمّازي وأهلها بالمسجد الشريف، وصعد أهل