للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدّ الله عقد نبيه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال ٧٢: ٧٤] فأحكم الله بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين آخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات. فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله. فلما كان بعد بدر أنزل الله تعالى الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها، فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال ٧٥] وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.

وروى الخرائطي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قال المهاجرون: «يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلّه» . قال: «لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم [الله] لهم»

[ (١) ] .

وروى مسلم والنسائي والخرائطي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لقد رأيتنا وما الرجل المسلم بأحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم» . قال الزهري، وإبراهيم التيمي، وحمزة بن سعيد، كما رواه ابن سعد عنهم: «كانوا تسعين رجلا: خمسة وأربعون رجلاً من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار» . ويقال: «كانوا مائة: خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار» . قال ابن إسحاق، وسنيد بن داود، وأبو عمر، وأبو الفرج: «آخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين نفسه- صلى الله عليه وسلم-» ،

قال أبو عمر: «وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» .

وروى أبو بكر الشافعي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين عليّ، وبين حمزة بن عبد المطلب وأسيد- بضم الهمزة وفتح السين- ابن


[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٢٠٠ وابن أبي شيبة ٩/ ٦٨ وانظر البداية والنهاية ٣/ ٢٢٨.