للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجاهلية لم يزده الإسلام إلا حدّة وشدّة، وما يسرني أن لي حمر النعم وأني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة» .

وروى البخاري في الكفالة وفي الاعتصام، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الفرائض عن عاصم بن سليمان الأحول قال: «قلت لأنس بن مالك: أبلغك إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام؟ قال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري» [ (١) ] .

قال الطبراني: ما استدلّ به أنس على إثبات الحلف لا ينافي الأحاديث السابقة في نفيه، فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة، وكانوا يتوارثون به، ثم نسخ من ذلك الميراث، وبقي ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم، كما قال ابن عباس: «إلا النصر والنصيحة» ، ويوصي به فقد ذهب الميراث.

وقال الخطّابي: قال ابن عيينة: حالف بينهم: أي آخى بينهم، يريد أن معنى الحلف في الجاهلية معنى الحلف في الإسلام جار على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية جار على ما كانوا يتواضعونه بينهم، فبطل منه ما خالف حكم الإسلام وبقي ما عدا ذلك على حاله.

والحلف- بكسر الحاء المهملة وسكون اللام بعدها فاء، قال في النهاية: أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام

بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام» .

وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيّبين وما جرى مجراه فذلك الذي

قال فيه صلى الله عليه وسلم: «وأيّما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة» ،

يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق [وبذلك يجتمع الحديثان وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام] والله سبحانه وتعالى أعلم.


[ (١) ] أخرجه البخاري ١٠/ ٥١٧ (٦٠٨٣) ومسلم في الموضع السابق (٢٠٥- ٢٥٢٨) .