وكذا» كما كتبوه، وغيّروا نعت هذا كما وصف، فلبّسوا بذلك على الناس. وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السّفلة لقيامهم على التوراة، فخافوا أن يؤمن السّفلة فتقطع تلك المأكلة.
وروى البيهقي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة رضي الله عنهم قالوا:
«كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة فيسألون الله تعالى أن يبعثه فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل» .
وروى ابن إسحاق وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو نعيم عنه من طرق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم عن قتادة: أن يهود أهل المدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون يدعون الله على الذين كفروا ويقولون:«اللهمّ إنا نستنصر بحق محمد النبي الأمي إلا نصرتنا عليهم» ، فينصرون. وكانوا يقولون:«اللهمّ ابعث النبي الأمي الذي نجده في التوراة الذي وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان» . فلمّا جاءهم ما عرفوا، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء أخو بني سلمة: يا معشر يهود اتّقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته.
وروى ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج عن بعض من أسلم من أهل الكتاب، قال:
«والله لنحن أعرف برسول الله منا بأبنائنا من أجل الصفة والنّعت الذي نجده في كتابنا، أما أبناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء» وروى ابن إسحاق، والبيهقي، وأبو نعيم عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها أنها قالت:«لم يكن أحد من ولد أبي وعمّي أبي ياسر أحبّ إليهما منّي، لم ألقهما قطّ مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قباء قرية بني عمرو بن عوف غدا إليه أبي، حيي بن اخطب وعمّي أبو ياسر بن أخطب مغلّسين، فو الله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا بأمر أبي كبشة [كالّين كسلانين] ساقطين يمشيان الهوينى فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إلى واحد منهما، فسمعت عمّي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن اخطب: أهو هو؟ قال: نعم. قال: أتعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله. قال:
فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت» .
وذكر ابن عقبة عن الزهري قال: «إن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة ذهب إليه فسمع منه وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم اطيعوني فإن الله تعالى قد جاءكم بالذي تنتظرونه فاتّبعوه ولا تخالفوه. فانطلق أخوه حيي بن اخطب، وهو يومئذ سيّد