أمر الله، ولا من أمر ربكم، يدل على خصوص، وعلى ما قدّمنا من أنه لا يعلمه إلا من أخذ معناه من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد الإيمان بالله ورسوله واليقين الصادق والفقه في الدين، فإن كان لم يخبر اليهود حين سألوا عنها، فقد أحالهم على موضع العلم بها.
السابع: قال ابن القيم: ليس المراد بالأمر هنا الطلب اتفاقا، وإنما المراد به المأمور، والأمر يطلق على المأمور، كالخلق على المخلوق، ومنه لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [هود ١٠١] الآية.
الثامن: قال ابن بطال: «معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله عز وجل بعلمه بدليل هذا الخبر» ، قال:«والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرّفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى ردّ العلم إليه» . وقال القرطبي:«الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء، لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحقّ من باب أولى» .
التاسع: ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يفسّر الروح أي لا يعيّن المراد بها في الآية. وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح أستاذ الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى، كما في عوارف المعارف عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح، وكان الأولى الإمساك عن ذلك، والتّأدّب بأدب النبي صلى الله عليه وسلم. ثم نقل عن الجنيد أنه قال:«الروح شيء استأثر الله عز وجل بعلمه، ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود» .
وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير، وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليظ لكونه يطلق على أشياء، فأضمروا بأنه بأي شيء أجاب؟
قالوا: ليس هذا المراد، فردّ الله كيدهم وأجابهم جوابا مجملا مطابقا لسؤالهم المجمل.
وقال في العوارف: «ويجوز أن يكون كلامهم في ذلك بمثابة التأويل لكلام الله تعالى والآيات المنزّلة حيث حرّم تفسيره وجوّز تأويله، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل وهو ذكر ما تتحمل الآية (من المعنى من غير القطع بأنه المراد) . وإذا كان الأمر كذلك فللقول فيه وجه ومحمل. قال: وظاهر الآية المنع من القول فيها، فختم الآية بقوله: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أي اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه فلا تسألوا عنه فإنه من الأسرار.
العاشر: نقل ابن منده في كتاب الروح له عن الإمام الحافظ المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار محمد بن نصر المروزيّ أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة، وإنما نقل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة والمتصوّفة.