أنه كان من بحور العلم ومن سعة الحفظ بمكان، وقد نقل عنه في هذا الباب أئمة من العلماء، منهم الحافظان: أبو نعيم الأصفهانيّ وأبو بكر البيهقي رحمهما الله تعالى في دلائلهما. ومن المتأخرين الحافظ ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية من تاريخه، والحافظ رحمه الله في الفتح وغيره، وشيخنا رحمه الله في الخصائص الكبرى، فاقتديت به، ونقلت عنه ما لم أجده عند غيره. ثم رأيته ذكر في غزوة الحديبية عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه شيئا، والمشهور أنّ المقداد قاله في غزوة بدر، ولم أر أحدا من أصحاب المغازي التي وقفت عليها ذكره في غزوة الحديبية فأعرضت عن النقل عنه، ثم بعد ذلك رأيت أبا بكر بن أبي شيبة رواه في المصنّف من غير طريق الواقديّ، عن عروة بن الزبير، فاستخرت الله تعالى في النقل عنه، وذكر بعض فوائده فإنه كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب: ممّن انتهى إليه العلم بالمغازي في زمانه، وليس في ذلك شيء يتعلق بالحلال والحرام، بل أخبار عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرايا أصحابه ترتاح لها قلوب المحبين، وألّف العلماء في هذا الباب كتبا لا يحصيها إلا الله تعالى سأذكر النقل ممّا وقفت عليه النقل منها.
الرابع: قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه: الغالب على سيرة أبي الحسن البكريّ البطلان والكذب، ولا تجوز قراءتها. انتهى. قلت: والبكريّ هذا اسمه أحمد بن عبد الله بن محمد. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه الميزان، والحافظ ابن حجر في اللسان: إنه كذّاب دجّال، واضع القصص التي لم تكن قطّ، فما أجهله وما أقلّ حياءه، وما روى حرفا من العلم بسند، ويكرى له في سوق الكتبيّين كتاب انتقال الأنوار، ورأس الغول، وسرّ الدّهر، وكتاب كلندجه، وحصن الدّولاب، وكتاب الحصون السبعة وصاحبها هضام بن الحجاف وحروف الإمام عليّ معه. ومن مشاهير كتبه: الذّروة في السيرة النبوية، ما ساق غزوة منها على وجهها، بل كل ما يذكره لا يخلو من بطلان، إما أصلا، وإما زيادة. انتهى.
وقال الذهبي في «المغني» : البكريّ هذا لا يوثق بنقله وهو مجهول الحال، والقلب يشهد بأنه كذاب، لإتيانه بتلك البلايا الواضحة التي لا تروج على صغار الطلبة.
الخامس: المغازي جمع مغزى، والمغزى يصلح أن يكون مصدرا، فقول: غزا يغزو غزوا ومغزى، ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو. وكونه مصدرا متعيّن. هنا. والغزوة مرّة من الغزو وتجمع على غزوات.
وقال ابن سيده رحمه الله تعالى في المحكم: غزا الشيء غزوا إذا أراده وطلبه. والغزو:
السّير إلى القتال مع العدو. عن ثعلب رحمه الله: الغزوة المرّة، والغزاة: عمل سنة وقال الجوهري رحمه الله: غزوت العدوّ غزوا والاسم الغزاة، ورجل غاز والجمع غزاة، مثل قاض