للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر: أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئا، ولكن رأيت- يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فروا رأيكم.

فبعثوا أبا سلمة الجشميّ فأطاف بالمسلمين على فرسه، ثم رجع فقال: والله ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا، ولكن رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق العيون كأنّها الحصا تحت الحجف، فروا رأيكم.

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فكلّمه ليرجع بالناس، وقال: يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر فيه بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالنّاس، وتحتمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت عليّ بذلك، إنما هو حليفي، فعليّ عقله وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظليّة فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره، يعني أبا جهل بن هشام، ثم قام عتبة خطيبا في الناس فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه، قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرّضوا منه ما تريدون، إنى أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم، وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم. قال حكيم: فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيّئها- وعند ابن هشام يهنئها- فقلت له: يا أبا الحكم إن عتبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال، فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أنّ محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه، ثم بعث إلي عامر بن الحضرميّ فقال: هذا حليفك عتبة يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك، فقام عامر بن الحضرميّ فكشف عن استه، ثم صاح: وا عمراه وا عمراه؟ فحميت الحرب، وحقب أمر النّاس، واستوسقوا علي ما هم عليه من الشّر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة.